الكيان الصهيوني من العصابات المسلحة حتى الدولة.. ملخص تاريخ إسرائيل
بدأت طائفة من اليهود التخطيط لبناء دولة بفلسطين بعد تشتتهم في الأرض، وفي سبيل ذلك تخلوا عن الاستسلام لمقولة: «إن اليهود تشتتوا وأخُرجوا من القدس عقابًا لهم على خطاياهم، وأن الله وحده القادر على إعادة صهيون في آخر الزمان».
تبنى من أُُطلق عليهم «اليهود العلمانيون» فكرة الاستيطان في فلسطين، وبدأوا في خطة بناء الدولة باستدعاء أتباعهم من دول العالم للاستقرار في «أرض الميعاد» كما يعتقدون.
في السطور التالية نرصد لكم محطات نمو الكيان الصهيوني، منذ انطلاق الفكرة وبداية العمل في عصابات مسلحة حتى الاستيلاء على الدولة الفلسطينية وتهويدها.
المؤتمر الصهيوني الأول
البداية من اليهودي النمساوي «تيودور هرتزل» المولود سنة 1860، عمل بالصحافة والمحاماة، وفي باريس تلقى صدمة معاداة اليهود، حين حضر محاكمة لضابط يهودي بتهمة الخيانة، وحين ظهرت براءته فيما بعد يتغير فكر هرتزل عن مصلحة اليهود، وبدأ بالتفكير في دولة خاصة بهم بدلاً من اندماجهم في المجتمعات الأخرى.
دعى هرتزل لفكرته في كتابه «دولة اليهود»، ونتيجة لنشاطه عُقد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بازل بسويسرا، وحضره مائتي مندوب من أهم الجمعيات اليهودية، دعى المؤتمر لوطن قومي يهودي في فلسطين وأماكن أخرى، وكتب هرتزل في يومياته أن الدولة قد تولد في خمسين سنة، وهذا ما حدث بالفعل عام 1948 لكن هرتزل لم يشهده ومات عام 1904.
بروتوكولات حكماء صهيون
دروس وتعاليم تلقاها الطلاب اليهود في باريس، تهدف للسيطرة التامة على كل الشعوب الأخرى بلا أي اعتبارات أخلاقية، نشرها أحد الموظفين الروس عام 1905 في كتاب باسم «بروتوكولات حكماء صهيون»، وقد ذاع صيت الكتاب في أوروبا لسنوات طويلة، وتسبب في مذابح كثيرة ضد اليهود.
ورغم إنكار اليهود لهذه التعاليم، واعتبار الربط بينهم وبينها معاداة للسامية مباشرة، إلا أن مفكرين وباحثين يرجحون صحتها، مثل الكاتب عباس العقاد الذي أكّد أن البروتوكولات توافق التعاليم اليهودية المذكورة في كتبهم مثل التلمود وغيره، واعترف الصحفي الإنجليزي شسترتون أن الواقع الحالي يوافق الكتاب.
وعد بلفور
تحولت الصهيونية من الفكر إلى التطبيق بعد المؤتمر الصهيوني، وحاول «هرتزل» الحصول على تأييد دول أخرى للفكرة مثل ألمانيا وتركيا ثم إنجلترا بلا فائدة، فاضطر اليهود للانتظار حتى تُتاح الظروف بقيام الدولة، وجاءت فرصتهم الذهبية في الحرب العالمية الأولى مع محاولة الدول المتحاربة أن تنتصر بأي شكل.
كانت انجلترا من أوائل الدول التي فكرت في توطين اليهود في فلسطين لمصالحها الدولية، ومع اندلاع الحرب عادت الفكرة مجددًا، لأن مساعدة انجلترا للصهاينة ستجعل اليهود يضغطون على أمريكا للانضمام مع بريطانيا وروسيا في الحرب.
وذهبت آراء أخرى إلى مصلحة إنجلترا في بقاء اليهود الأوفياء لها في فلسطين، مما سيضمن حماية قناة السويس وضمان الأمن العسكري للاستعمار، هكذا أعلنت بريطانيا وعد الحكومة لليهود بإنشاء وطن قومي في فلسطين، والمعروف بوعد بلفور نسبة لوزير الخارجية البريطاني «آرثر جيمس بلفور».
الهجرة المنظمة
بدأت هجرة اليهود لفلسطين مع انطلاق المشروع الصهيوني أواخر القرن التاسع عشر، لكن مع إعطاء وعد بلفور، وتفكك الدولة العثمانية، وفرض انتداب بريطاني على فلسطين من قبل عصبة الأمم، بدأت الهجرة تتخذ شكلاً شرعيًا بالإضافة لتسهيلات السلطة.
توافد اليهود بالآلاف على فلسطين، حتى صار عددهم 625 ألف نسمة، أي ما يعادل ثلث السكان في نهاية فترة الانتداب عام 1948، كانت مقاومة الشعب الفلسطيني سببًا في ثلاثية ثورية عرفت بثورات 1935 و1936 و1939، لكنها لم تستطع توقف سيل الهجرة المستمر، خاصة بتكوين ميليشيات صهيونية مسلحة لمواجهة الفلسطينين مثل الإرجون والهاجاناه.
يشير الكاتب الأمريكي الصهيوني «مايكل فيشباخ» أن اليهود حازوا 7% فقط من أرض فلسطين قبل عام 1984، ويدلل على هذا المؤرخ الإسرائيلي «إيلان بابي» بفشل الصهاينة في شراء الأراضي من الأهالي.
إعلان الدولة
بحلول عام 1947، أعلنت بريطانيا نيتها الانسحاب من فلسطين، وقرر مجلس الأمن تقسيم فلسطين إلى ثلاثة مناطق، منطقة عربية بنسبة 42% من المساحة الكلية، ومنطقة إسرائيلية بنسبة 56%، أما القدس وبيت لحم فيبقون تحت وصاية الأمم المتحدة الدولية.
وقبل ثماني ساعات من إنهاء الانتداب في 14 مايو 1948، أُعلن قيام دولة إسرائيل دون إعلان حدودها الرسمية، واعترف بها الرئيس الأمريكي وقتها هاري ترومان، وصارت الحاجة ملحة لحيازة الأراضي الفلسطينية بطريقة مختلفة عن شراء الأراضي، فكان الحل هو التصفية العرقية والتهجير الجبري.
ثلاث مذابح فلسطينية قام بها الصهاينة في تلك الفترة، سميت باسم المناطق التي تمت بها، مذبحة بلدة الشيخ، مذبحة دير ياسين، ومذبحة الطنطورة، وصف المؤرخ الإسرائيلي هذه المجازر بأنها تخلص من خطر ديموغرافي، أي خطر سُكاني، يهدد الدولة الوليدة.
التوسع الإسرائيلي
كانت مذبحة دير ياسين هي المحرك الرئيسي في حرب 1948، الأولى في سلسلة الحروب بين العرب وإسرائيل، تحركت خمس دول عربية لمنع قيام الدولة في فلسطين، ونتيجة لعدد الصهاينة الكبير وخبرتهم في القتال مقارنة بعدم التنسيق والتزعزع العربي، انتصرت إسرائيل في الحرب وسمتها حرب الاستقلال وتوسعت في 75% من مساحة فلسطين.
اشتركت إسرائيل بعدها في العدوان الثلاثي على مصر مع إنجلترا وفرنسا، اعتراضًا على قرار تأميم قناة السويس، لكن العدوان توقف بسبب التهديد السوفييتي والتدخل الأمريكي، بعدها كانت الهجمة الكبرى لإسرائيل في 67 على المطارات المصرية واستيلائها على سيناء وهضبة الجولان فيما يعرف بالنكسة.
وفي نفس العام احتلت إسرائيل القدس الشرقية التي كانت تحت الحكم الأردني، وبدأت سياسة توطين اليهود فيها ببناء مستوطنات ووحدات سكنية بدعم أجنبي.
استمرت المناوشات بين العرب وإسرائيل مثل حرب الاستنزاف بين إسرئيل مصر على ضفتي القناة، ومعركة الكرامة بين الجيش الأردني والصهاينة، وصولاً لحرب أكتوبر 1973 التي شهدت عبور المصريين وتقدمهم الملحوظ في سيناء، وبالمثل تقدم السوريين في الجولان.
الاعتراف بدولة إسرائيل
بعد إنتهاء حرب أكتوبر، وكثرة المفاوضات بين طرفي الحرب في ظل القوتين العظمتين أمريكا وروسيا، عادت سيناء لمصر وزار الرئيس المصري الراحل أنور السادات القدس عام 1977، ليعقد بعدها معاهدة السلام في كامب ديفيد 1978 بحضور الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، مما أدى لاغتيال السادات في حادث المنصة عام 1981.
بعدها تبعته الأردن بمعاهدة سلام أخرى مع إسرائيل عُرفت بمعاهدة «وادي عربة» عام 1994، متناولة الحدود والنزاع بين البلدين.
تهويد القدس
في أكتوبر 1995، أقر الكونجرس الأمريكي تشريعًا لنقل سفارة أمريكا في إسرائيل إلى القدس بدلاً من تل أبيب، وبهذا تكون القدس العاصمة الرسمية للدولة الصهيونية، لكن رؤساء أمريكا اعتادوا تأجيل تنفيذ التشريع خوفًا من ردود الفعل الدولية والعربية، حتى وافق عليه الرئيس دونالد ترامب في ديسمبر 2017 وأعلن موعد النقل في مايو 2018، في مساعدة أخرى أمريكية للتهويد كما فعل الرئيس هاري ترومان عام 1948.
وكما يفسر التاريخ مساعدة إنجلترا لإسرائيل في حصولهم على وعد بلفور، يكشف كذلك مساعدة أمريكا الآن في تهويد القدس واعتبارها العاصمة الرسمية لإسرائيل، فللأمر جانب عقائدي يخص ديانة معظم سكان أمريكا وهي العقيدة البروتستانتية التي أسسها مارتن لوثر.
البروتستانت يؤمنون بالعهد القديم للكتاب المقدس، وفيه أن لليهود حقهم في أرض فلسطين دون الشعوب الأخرى، لذا يجب تأمين وجودهم هناك حتى يعود المسيح المخلص ويحكم الدنيا لألف عام فيما يُعرف بالعقيدة الألفية، هكذا كان دعم أمريكا لإسرائيل مستمرًا طوال نشأتها وحتى الآن.