«السهم الأسود».. هجوم على مصر رسم ملامح الصراع العربي- الإسرائيلي
في الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم 28 فبراير عام 1955، أطلقت إسرائيل غارة «السهم الأسود» على غزة، وكانت حجتها أنها ترد على هجمات الفدائيين المصريين، وكانت غزة وقتئذ تحت حكم مصر.
في اليوم التالي مباشرة سافر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى غزة ليرى بنفسه آثار العدوان الإسرائيلي، وبات ليلته في العريش بعد أن قضى النهار في غزة، وأثناء ذلك قامت إسرائيل بغارة ثانية على مركز مصري بالقطاع.
39 شهيد
وبحسب ما ذكره سعيد الشحات في كتاب «ذات يوم.. يوميات ألف عام . وأكثر» انتهت الغارتان باستشهاد 39 جندياً مصرياً، ومقتل 8 جنود إسرائيليين.
كان إريال شارون رئيس وزراء إسرائيل الراحل هو الضابط الذي قاد فرقة المظلات في هذه الغارة، وكتب عنها في مذكراته التي ترجمها إلى العربية وحققها أنطوان عبيد: «بعد انتهاء العملية عدنا من حيث أتينا، نحمل 8 قتلى و14 جريحاً، وكان موشي ديان في انتظارنا، وسأل بلهجة جافة: كيف جرت الأمور؟ أجبته: أنجزنا مهمتنا ولكن بخسائر فادحة، فرد بلا مبالاة: الأحياء أحياء والأموات أموات».
كانت هذه الكلمات تبدو في ظاهرها أشبه بحالة الترقب لما سوف تخلفّه الغارة من آثار تمتد إلى مستقبل العلاقة بين إسرائيل التي لم يكن مر على تأسيسها أكثر من سبع سنوات، ومصر التي مر على ثورتها ثلاث سنوات، وأصبح على رأس سلطتها «ضباط» ثاروا على صيغة الحكم القديمة.
السفير الأمريكي
تأمل وإعادة قراءة ما حدث في لقاء عبدالناصر بالسفير الأمريكي في القاهرة هنري بايرود يوم 10 مارس -بعد الغارة بعشرة أيام- يقود إلى الاعتقاد بأن هذه الغارة تحديداً كانت الباب الذي خرجت منه التحولات الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وصاغت شكل الصراع العربي الإسرائيلي.
قال عبدالناصر للسفير الأمريكي، والنص موجود كاملاً في كتاب «ملفات السويس» لمحمد حسنين هيكل: «صوتي بُح حتى الآن في طلب أسلحة للجيش المصري، والولايات المتحدة حتى الآن عطلت كل الصفقات في حين أنها عقدت صفقات مع إسرائيل والعراق».
وأضاف عبدالناصر في تحذير شبه نهائي: «حتى الآن كنا نطلب السلاح لمجرد تسليح الجيش المصري، وأما الآن فإن السلاح بالنسبة إلينا أصبح قضية حياة، وإنكم تعرفون أنني بعد الثورة قمت بتخفيض ميزانية القوات المسلحة بمقدار 5 ملايين جنيه عما كانت عليه قبل الثورة، وأما الآن وبعد الغارات المتكررة على قواتنا فإن الأمر أصبح لا يُحتمل».
وقال عبدالناصر: «لقد كنت كما شرحت لوزير الخارجية دالاس (يقصد جون فوستر دالاس) أعتبر أن الخطر الإسرائيلي يكمن في تخلفنا عن التنمية، وأنا الآن لا أستطيع أن أقنع نفسي بشيء من ذلك، فنحن لا نريد أن نبني المصانع والمستشفيات والمدارس لكي نسلمها لإسرائيل، ويتحول الشعب المصري بدوره إلى شعب من اللاجئين».
وزاد عبدالناصر في حسمه: «أنا مصمم على أن يكون في يد الجيش المصري ما يحتاجه من السلاح للنهوض بمسئولياته، وإذا لم تكن الولايات المتحدة على استعداد لبيع السلاح لنا فلتقل ذلك مرة واحدة وإلى الأبد حتى نعرف كيف نتصرف».
بعد ذلك أقدم عبدالناصر على قراره الشهير بـ«كسر احتكار السلاح» والذهاب شرقاً إلى روسيا لاستيراد السلاح.