مصر في خطر.. رسالة عبر الزمن من «حرفوش ابن برقوق الراكب دار»
فارس مصري من أوائل القرن الـ19، يحارب بالسيف والحربة لكنه يسافر عبر الزمن ويجد نفسه فجأة في القاهرة عام 1998، مواجهًا الأخطار الجديدة عليه، وساعيًا لتأدية مهمته التي كُلّف بها ولو في عصر مختلف.
هذه الفكرة البسيطة، حملت الكثير من الرمزيات والرسائل، لتستغل السينما فكرة آلة الزمن في توجيه رسالة للمصريين، كما حدث في الفيلم الكوميدي «رسالة إلى الوالي» من بطولة الفنان عادل إمام.
فكرة الفيلم
هاجم الإنجليز مدينة رشيد المصرية عام 1807 فيما يُعرف بحملة فريزر، ولم يجد محافظ المدينة مفرًا من الاستغاثة بحاكم مصر، الوالي العثماني محمد علي باشا، لذا أرسل المحافظ رسولاً إلى القاهرة برسالة الاستغاثة، واختار لهذه المهمة أمهر جنوده كي يخترق حصار الإنجليز، الفارس «حرفوش ابن برقوق الراكب دار».
ينجح «حرفوش» في تجاوز العدو لكنه يضطر للاختباء في مغارة بسبب وشاية ثلاثة من خونة رشيد، وبداخل المغارة يقابل حكيمًا عجوزًا يساعده في الهرب من الغزاة، وهذا بانتقاله إلى المستقبل البعيد، بعد قرنين من الزمن، على أن يكون سفره لمدة 30 يومًا فقط.
وآلة الزمن فكرة قديمة معروفة في الخيال العلمي، تشبه في العادة كابينة الهاتف، يدخلها الإنسان وتنقله للماضي أو للمسقبل، بدأها الأديب الإنجلزي «هـ.ج.ويلز» في روايته «آلة الزمن» عام 1885 وقد اعتادت السينما الغربية تقديمها في أفلام عديدة، وقدمتها مصر بشكل مغارة في هذا الفيلم.
مهمة الفارس
يعيش «حرفوش» في قاهرة المستقبل مغامرة حتمية، إذ يظنه الجميع مجنونًا، يرسلونه إلى مستشفى الأمراض العقلية ويصعقونه بالكهرباء مرارًا، لا يصدقه أحد سوى إخصائية نفسية بالمستشفى، وقد اكتشفت صدقه وحقيقته عن طريق أسلحته القديمة الأصلية، لذا تساعده في الهرب والنجاة من التعذيب.
المشكلة أن «حرفوش» ما زال لا يستوعب الحقيقة، ويصمم على إكمال مهمته مهما حصل، وخلال الأحداث تتوالى المواقف الكوميدية بسبب جهل «حرفوش» التام بالعصر الحديث، وأخيرًا يصل إلى قلعة محمد علي باشا، فيدخل إلى قاعة الوالي ويخبره برسالته على شكل خطبة طويلة.
تاريخ السينما المصرية.. كتب تلخص لك هذا العالم
الرسالة
«السلام عليكم يا أمير البلاد، يا ولي النعم يا حامي الحمى أنا الفارس حرفوش بن برقوق الراكب دار من أهالي رشيد أحمل إليك رسالة غاية في الأهمية نحن شعب رشيد مسلمين وأقباط نخطرك أن العدو على الأبواب متربص بأرضنا بحياتنا بتاريخنا. نطالبك يا أمير بأن تجهز الجيوش والعتاد لملاقاة الأعداء وألا تأمن لهم، نحن شعب مصر، خير أجناد الأرض كما سمانا المصطفى عليه السلام، نحن حراس الحدود، وأرض الجدود. نحن من حولك متأهبون للقتال والنزال متأهبون، للسلام المسنود بالقهوة متأهبون، باسمك سنطارد كل اللصوص.. لصوص الحضارة والإنسانية، لصوص الحق والحياة، باسمك سنضرب على أيدي المارقين والمخادعين والمتاجرين بالدين. يا أمير، نطالبك بمعاقبة المسيء قدر إساءته دون إهدار لآدميته، وألا ترفع السلاح ظلمًا وعدوانًا بل دفاعًا عن الحق والشرف. يا أمير، نطالبك بأن تضرب بكل قوة، بكل ما أوتيت من قوة، على أيدي سارقي الأرزاق والمفسدين في الأرض كي تنعم مصر بالرخاء ويسود السلام القوي».
مصر في خطر
تحمل الرسالة الكثير من الإشارات، منها التجهز لقتال العدو المتربص، والتشبث بتاريخ البلاد وحضارتها، وهذا حسب مهمة «حرفوش» الأصلية، لكنه ختم الرسالة بوصية الرفق بالإنسان حتى لو كان مخطئًا، وعدم الهجوم على المظلومين بالسلاح.
أوصل الفارس رسالته لكنه يكتشف الفجيعة، قاعة الوالي ليست سوى متحفًا، وكل من فيها مجرد أصنام تاريخية، لا فائدة لهم، لا يسمعون أو يجيبون، لذا يحطم «حرفوش» صنم الوالي صارخًا، ويصدق أخيرًا أنه في عصر مختلف بعيد، لكنه ما زال متأكدًا من شيء واحد، أن التاريخ يعيد نفسه والخطر موجود.
يصر «حرفوش» على مقابلة الحاكم الجديد، حتى لو تغير لقبه من والي إلى رئيس، فلابد أن يخبره بالخطر الذي يتهدد مصر، وهكذا تصبح الرسالة صالحة للمصريين، في كل زمان ومكان.
هذا هو هدف الفيلم الأصلي بخلاف الكوميديا، صرخة تنبيه عبر الزمن، خوف على الدولة من الأعداء، والخونة الذين تابعوا «حرفوش» ليوقفوه عن مهمته، وهكذا جاء المغزى من آلة الزمن أو مغارة الزمن التي دخلها «حرفوش».
آلات زمن مصرية أخرى
قدمت السينما المصرية فكرة السفر عبر الزمن في أفلام أخرى، منها الفيلم الفلسفي المرعب «الرقص مع الشيطان» عام 1993، والذي يسافر فيه البطل زمنيًا باستخدام حقنة عقار، ويقابل جده في الماضي ثم ابنته في المستقبل، ويكتشف الكثير عن نفسه وعن معنى الرب والشيطان في حياة الإنسان.
أما الفيلم المعاصر «سمير وشهير وبهير»، انتاج عام 2010، فقد ظهرت فيه آلة الزمن لأول مرة بشكلها المعروف، يخترعها دكتور جامعي وينتقل بها 3 من طلابه إلى السبعينات، ويمضي معتمدًا على الكوميديا والمقارنة بين العصرين، وتغير الموضة مع الزمن في الملابس والسيارات وخلافه.