نهاية عرابي المؤلمة.. حكاية ثائر لم تجد أسرته نفقات جنازته
بعد 29 عاماً من هزيمة ثورته وتحديداً في 21 سبتمبر 1911 رحل عن الدنيا الزعيم أحمد عرابي بنهاية مؤلمة شأنه في ذلك شأن كثير من زعماء الثورة الذي كسرهم الفشل واستنفذت منهم حياة المنفى ما تبقى من عزيمة وقدرة على الحياة بصورة طبيعية.
نفي ومصادرة
بعد فشل الثورة حكمت المحكمة العسكرية في 7 ديسمبر 1882 على عدد من زعماء الثورة ومنهم أحمد عرابي بالإعدام، إلا أن الحكم عُدّل بأمر من الخديو توفيق إلى النفي من الأقطار المصرية.
وكما يذكر عبدالرحمن الرافعي في كتابه «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي» أصدر الخديو أمراً في ديسمبر من نفس العام بمصادرة أملاك الزعماء السبعة المحكوم عليهم وأموالهم، وحرمانهم حق امتلاك أي ملك في الديار المصرية بطريق الإرث، أو الهبة، أو البيع، أو بأي طريقة ما، مع ترتيب معاش سنوي لهم بقدر الضروري لمعيشتهم، وقضى هذا المرسوم ببيع أملاكهم، وما ينتج من هذا البيع من صافي الثمن يُخصص لسداد التعويضات التي ستعطى لمن أصيبوا في حوادث الثورة.
وفي 21 ديسمبر من نفس العام صدر أمر خديوي آخر بتجريد الزعماء السبعة من جميع الرتب، والألقاب، وعلاقات الشرف التي كانوا حائزين لها، ومحو أسمائهم من سجلات ضباط الجيش المصري محواً مؤبداً.
سر دفين
وفي كتابه «الثورة العرابية» الصادر عن الهيئة المصرية للكتاب، يروي الكاتب الصحفي الراحل صلاح عيسى كلمات مؤثرة عن نهايات «عرابي»، قائلاً: قبل أن يموت عرابي بشهور كان خارجاً من المسجد الحسيني عقب صلاة العشاء في إحدى ليالي رمضان، فإذا بشاب يبصق في وجهه صائحاً: «يا خائن»، ومسح الرجل الجليل وجهه، وأغلق باب منزله على وجهه شهوراً طويلة، تُرى ما الذي اعتصر قلبه في تلك الشهور الحزينة؟ ذلك سر أخذه معه إلى القبر.
ويوم مات لم يجد أهله في بيته نفقات جنازته وتجهيزه، فكتموا نبأ الوفاة إلى اليوم التالي، حيث كان مقرراً أن تُصرف المعاشات قبل موعدها لمناسبة حلول عيد الأضحى، وخرجت إحدى الصحف تكتب في مكان متواضع «علمنا أن المدعو أحمد عرابي صاحب الفتنة المشهورة باسمه قد تُوفي أمس».
يقول «عيسى»: «إن الذي بصق في وجه عرابي والذي نشر نبأ نعيه، والذي تركه يعاني ذل الحاجة، لم يكن مصر، ولكنه جزء من أمة الخيانة، جزء من مصر المحتلة، مصر التي سادت الخبائث فيها وجه الحياة، واستأسدت فيها كلاب الطريق، أما معذبو الأرض الذين عاشوا الملحمة العرابية بكل أبعادها، فقد صانوا عهد الحب حتى النهاية».
قسوة الاحتياج
حياة «عرابي» بعد هزيمته كانت نموذجا لقسوة الاحتياج، ففي الصفحات الأخيرة من مذكراته مثلاً، يتحدث بمرارة عن أنه يوم 8 يونيه 1905 كتب إلى اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر يطالبه برد أملاكه وأمواله التي نُهبت وسُلبت، أو التعويض عنها لتكون معاشاً بعد وفاته لعائلته التي تزيد على 50 شخصاًن فكان جوابه أنه يأسف لعدم إمكانية التدخل في مسألة نظرت فيها الحكومة المصرية عام 1882.
نهايات مأساوية لزعماء الثورة العرابية
وفي 19 ديسمبر كتب إلى مستشار المالية المصرية مطالباً إما برفع المرتب السنوي المقرر من الحكومة من 600 جنيه إلى 2000 جنيه، طبقاً لما وعد به اللورد «دُفرين» عقب ما حدث في 1882، وإما برد أملاكه المنهوبة بغير حكم قانوني وريعها يزيد على 3 آلاف جنيه، إما التعويض عنها حفاظاً لكرامة العائلة، فرد المستشار بأنه يأسف لأنه لا يقدر أن يشير على الحكومة المصرية بتحقيق ما طلب.
ووصل به الأمر إلى رفع مطلبه لولي عهد إنجلترا لمناسبة وجوده بقصر عابدين أثناء زيارته لمصر، ولما وجد كل هذا الصد فعل كما يقول: «تركت لأحفادي ولأولادي من بعدي ولذريتي جيلاً بعد جيل الحق في المطالبة بحقوقي وأملاكي المنهوبة».