طنطاوي جوهري.. حكاية شيخ أزهري مع جائزة نوبل
كانت جائزة نوبل قبل أن ينالها نجيب محفوظ في عام 1988 حلماً من أحلام الأدباء والمفكرين في مصر منذ أعوام بعيدة. ويسجل تاريخنا الفكري المعاصر حقيقة غريبة، وهي أن أول من طالب بجائزة نوبل لنفسه هو شيخ أزهري معمم صاحب شخصية إنسانية وفكرية عجيبة ولافتة للنظر.
بهذه الكلمات يبدأ رجاء النقاش في كتابه «عباقرة ومجانين» حديثه عن الشيخ طنطاوي جوهري، سارداً قصته ومشواره العلمي وما الذي دفعه للتقدم لنيل جائزة نوبل عام 1938.
كفر عوض الله
ولد «طنطاوي» سنة 1870 في قرية «كفر عوض الله حجازي» بمحافظة الشرقية، وتعلم في كُتّاب القرية، وكان في صباه يعمل بالزراعة مع والده إلى جانب دراسته. وانتقل بعد ذلك إلى القاهرة بعد ذلك ليدرس في الأزهر، والتحق بكلية دار العلوم وكان اسمها آنذاك «مدرسة دار العلوم العليا»، وتخرج فيها سنة 1893، وكان في الـ23 من عمره.
بعد تخرجه عمل مدرساً بالمدارس الثانوية في دمنهور وفي المدرسة الخديوية بالقاهرة، ثم أصبح مدرساً في كلية دار العلوم التي تخرج فيها، وانتدب سنة 1912 لتدريس الفلسفة بالجامعة المصرية. ومن خلال محاضرات الفلسفة التي كان يلقيها قام بتأليف كتابه «أين الإنسان؟»، حيث عالج المشاكل الفلسفية الكثيرة التي يتعرض لها العقل البشري وأشار إلى جوانب من تاريخ الفلسفة في الفكر العالمي.
تفسير «الجواهر»
في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي صار الشيخ علماً من الأعلام، وكان اسمه يتردد على ألسنة كثيرين من قرائه وعارفي فضله ومكانته، حتى أنه كان معروفاً في البلاد الإسلامية غير العربية وخاصة في الهند وباكستان وإندونيسيا وعُرف هناك باسم «حكيم الإسلام».
سيد النقشبندي.. صوت الفن في خدمة الدين والوطن
السبب في شهرة الشيخ في هذه البلاد يرجع إلى أن السلطات الاستعمارية التي كانت قائمة فيها كانت تمنع دخول الكتب العربية إلى تلك البلاد باستثناء الكتب الدينية، ما دفع بـ«طنطاوي» إلى أن يجعل من كتبه المختلفة ومن تفسيره للقرآن على وجه الخصوص موسوعة كاملة تضم العلوم العصرية من طبيعية ورياضية واجتماعية مع توضيح ذلك كله بالرسوم والخرائط والصور، وكان له في هذه البلاد دور كبير، حيث ساعد على نهضتها وفتح أمام أبنائها فرصة التعرف على العلوم الحديثة التي كانوا محرومين من معرفتها ودراستها.
لكن الشيخ لم يأخذ حقه من الاهتمام في مصر رغم أنه كان مفكراً نادر المثال، حيث ترك وراءه أعمالاً علمية وفكرية مهمة على رأسها تفسيره للقرآن الكريم، والذي سماه باسم «الجواهر»، وكتبه سنة 1932 بعد أن تجاوز الستين في 26 جزءاً.
جائزة نوبل
وقبل صدور هذا التفسير الكبير قدم «طنطاوي» مؤلفات عديدة أخرى، منها: «ميزان الجواهر في عجائب الكون الباهر»، و«جواهر العلوم»، و«نظام العالم والأمم أو الحكمة الإسلامية العليا»، و«أين الإنسان» و«النظام والإسلام»، و«جمال الكون»، و«نهضة الأمة وحياتها».
وفي هذه الكتب جميعاً كان الشيخ صاحب دعوة إنسانية واسعة. دعا إلى السلام والتضامن الإنساني الذي يؤدي إلى انتشار العدل وارتقاء البشر، وهاجم الدول الكبرى التي تعمل فرض سياستها بالقوة، وتحاول أن تحقق مصالحها على حساب الآخرين من أبناء المجتمعات الإنسانية الضعيفة، ورأى أن الإخاء الحقيقي بين البشر هو الحل المثالي الصحيح لأزمات الإنسان المختلفة.
ولم تكن دعوته لهذه المبادئ الإنسانية سطحية بل كانت عميقة وقائمة على شعور غامر بالمسئولية، كما أنه كان يشرح دعوته بأسلوب واضح مؤثر، وكانت كتبه مليئة بالحقائق والمعلومات الواسعة في سائر مجالات المعرفة الإنسانية.
وبناء على هذا الجهد الفكري الواسع في الدعوة إلى نظام عالمي جديد، يقوم على السلام والتعاون والرخاء ويرفض القوة والعنف والحروب المدمرة، رأى الشيخ طنطاوي أنه يستحق جائزة نوبل، فتقدم في سنة 1938 لنيلها، إلا أنه لم يحصل عليها.