رفضوا الأصنام والخمر وآمنوا بالله.. معلومات عن «طائفة الأحناف» قبل الإسلام
شهدت منطقة الجزيرة العربية قبل الإسلام أناساً ثاروا على معتقدات أهلهم الدينية، رفضوا عبادة الأوثان، وشرب الخمر، وآمنوا بوجود إله واحد، فساحوا في الأرض يبحثون عنه. الدكتور جواد علي، تطرق إلى هؤلاء الذين سموا بـ«الحنفاء» أو «الأحناف» بشيء من التفصيل في كتابه «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام».
أشار القرآن الكريم إلى جماعة من العرب لم تعبد الأصنام، فلم تكن من اليهود والنصارى، وإنما اعتقدت بوجود إله واحد، وقد ذكر المفسرون وأهل الأخبار أسماء جماعة من هؤلاء، غير أن ما ذكروه عنهم غامض لا يشرح عقائدهم، ولا يوضح رأيهم في الدين، فلم يذكروا عقيدتهم في التوحيد، ولا كيفية تصورهم لخالق الكون.
الحنفية وداعية الوثنية
وقد عُرف هؤلاء بـ«الحنفاء» و«الأحناف»، ونُعتوا بأنهم كانوا على دين إبراهيم عليه السلام، ولم يكونوا يهوداً ولا نصارى، ولم يشركوا بربهم أحداً، وسفهوا عبادة الأصنام، وسفهوا رأي القائلين بها.
أشير إلى «الحنفية» و«الحنفاء» في كتب الحديث، ومما نسب للرسول «لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنفية السمحة»، وحديث آخر «أحب الأديان إلى الله تعالى الحنفية السمحة».
ويذكر أن الجاهليين جميعاً كانوا قبل عمرو بن لُحي الخزاعي على دين إبراهيم. كانوا موحدين يعبدون الله وحده، لا يشركون به ولا ينتقصونه، فلما جاء «بن لحي» أفسد العرب، ونشر بينهم عبادة الأصنام، بما تعلمه من وثنيي بلاد الشام حين زارهم وحل بينهم، فكان داعية الوثنية عند العرب والمبشر بها ومضلهم الأول، وموزع الأصنام بين القبائل ومقسمها عليها، فكان من دعوته تلك عبادة الأوثان، إلى أن جاء الإسلام فأعاد العرب إلى سواء السبيل، إلى دين إبراهيم حنيفاً.
نُساك ومصلحون
وللعلماء أراء وتفسيرات في أصل لفظة «حنيف» و«حنفاء» و«أحناف» ومعانيها. فهم يقولون أن الأصل «حنف» بمعنى مال، وبذلك يكون المعنى مال عن الضلال إلى الاستقامة.
وينسب إلى الأحناف امتناعهم عن أكل الذبائح الأوثان، وتحريم الخمر والأعمال المنكرة على أنفسهم، والنظر والتأمل في خلق الله، وأداء شعائر الحج.
وكانوا أيضاً طرازاً من النُساك، نسكوا في الحياة الدنيا، وانصرفوا إلى التعبد لإله إبراهيم وإسماعيل، وساحوا في البلاد على نحو ما يفعله الحجاج والزهاد بحثاً عن الدين الصحيح دين إبراهيم.
ومنهم من أخذ على قومه هدايتهم بحثّهم على ترك عبادة الأصنام، لذلك لاقوا منهم أذى شديداً. ومنهم من كان يتأمل في هذا الكون، ولذلك تجنب الناس واعتزلهم، والتجأ إلى الكهوف والمغاور البعيدة ابتعاداً عن الناس للتأمل والتفكر.
وبالمعنى العصري يمكن القول أن هؤلاء كانوا أناساً «مصلحين» ، يريدون إصلاح المجتمع ورفع مستوى العقل، لذا رفضوا الأوضاع الاجتماعية السائدة في أيامهم، لأنها في نظرهم تمنع الإنسان من التقدم وإدراك الواقع، فقد رأوا أن العقل لا يقر التقرب إلى أحجار وإلى التبرك بها والذبح لها، لأنها حجارة لا تعي ولا تفهم وليس في إمكانها أن تسمع أو تجيب لذلك نفروا منها.
شعر عن اللغة العربية.. في حب لغة الضاد
وكان من بين أولئك الأحناف الذين رفضوا عبادة قومهم للأصنام عمان بن الحويرث، وورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل، وعبيد الله بن جحش بن رئاب الأسدي وقُس بن ساعدة الأيادي، وأمية بن أبي الصلت وارياب بن رثاب، وسويد بن عامر المصطلقي، وأسعد أبو كرب الحميري، ووكيع بن زهير الأيادي، وعمير بن جندب الجُهني.
تكتل وتنظيم
ولا يوجد ما يفيد بوجود تكتل وتنظيم للحنفاء كان يميزهم عن غيرهم من أهل الأديان، فلم تكن «الحنفية» فرقة تتبع ديناً بالمعنى المفهوم للدين، كدين اليهودية أو النصرانية، أو لها أحكام وشريعة تستمد أحكامها من كتب منزلة مقدسة ومن وحي نزل من السماء على نحو الأديان السماوية الأخرى.
وكان الأحناف من أسر معروفة، وبيوت يظهر أنها كانت مرفهة أو فوق مستوى الوسط بالنسبة إلى تلك الأيام، ولهذا صار في إمكانهم الحصول على ثقافة، وعلى شراء الكتب، وقد كانت غالية الثمن إذ ذاك لنيل العلم منها، كما كان في إمكانهم الطواف في خارج جزيرة العرب لامتصاص المعرفة من البلاد المتقدمة بالنسبة إلى تلك الأوقات، مثل العراق وبلاد الشام. وقد اتصلوا برجال العلم والدين فيها، وتحادثوا معهم وأخذوا الرأي منهم.