«هوجوورتس» بالعربي.. مدرسة «فيسبوكية» للاستمتاع بعالم هاري بوتر الفريد
عندما تشاهد أحد أفلام هاري بوتر وينال إعجابك، ستجد نفسك - في الأغلب - تتمنى أن تعيش أجواء الفيلم الخيالية، وتلتحق بمدرسة السحر المسماة «هوجوورتس» لتطلق التعاويذ من عصاك وتطير على مقشة وتحارب الأشرار.
هذا الخيال الجامح راود الكثير من محبي السلسلة، لكن بسبب صعوبة تحقيقه على أرض الواقع، لجأ بعض الشباب العربي إلى التكنولوجيا الحديثة، لتصير مدرسة السحر حقيقة بشكل ما.
كيف بدأت الفكرة؟
مع انتهاء سلسلة الأفلام في 2011، تساءل بعض الجمهور في حسرة: هل انتهى الأمر إذن؟! الحقيقة أن المعجبين على شبكة الانترنت رفضوا هذه النهاية وأكملوا القصة بطريقتهم.
وظهرت العديد من المواقع الإلكترونية عن هاري بوتر، تحتوي الشروح والنقاشات لأحداث السلسلة، كما كتب القراء قصصهم الخاصة FanFiction في هذا العالم الخيالي.
المهندس المصري أحمد زكريا كان من المهوسين بالسلسلة، فقرر إنشاء صفحة خاصة بها على موقع «فيس بوك» والتي جذبت أنظار الجمهور العربي، وهنا يتساءل «زكريا»: «لماذا لا نصنع عالم هاري بوتر الخاص بنا؟ وبنفس الوسيلة المتاحة لدينا: الانترنت؟!»
مدرسة خاصة جدًا
فكرة أحمد زكريا قائمة على ميزة خاصة في هاري بوتر، وهي أن مؤلفة الكتب ذكرت تفاصيل عالمها بدقة شديدة، خاصة المواد السحرية التي يدرسها الطلبة، فكل مادة لديها مناهجها وكتبها كأنها حقيقية بالفعل، وهناك موسوعات كاملة عن عالم السحر.
هكذا يمكن إنشاء «جروب» على «فيس بوك» كأنه محاكاة كاملة للمدرسة، ويعيش فيه الأعضاء أجواء القصة، وبعضهم يكون أستاذًا لمادة ما، أو مديرًا لقسم معين، وباقي الأعضاء هم الطلبة.
لكن السؤال هنا، هل سيحب الأعضاء أن يدرسوا هذه المناهج الخيالية بشكل جاد؟ ويقبلوا أن يدخلوا فيها الاختبارات والمنافسات؟ لقد خرجوا للتو من الدراسة الحقيقية في الثانوية والجامعة، فلماذا يدرسون شيئًا آخر وغير حقيقي أصلاً؟
دراسة شيء مختلف
عرض أحمد زكريا الفكرة على جمهور صفحة هاري بوتر فلاقى ترحيبًا كبيرًا، لقد أراد الجميع أن يعيشوا التجربة كاملة من أغلب الدول العربية، سيدرسون شيئًا خياليًا لكنهم يحبونه، بخلاف المناهج الحقيقية التي أجبروا عليها في العالم الحقيقي.
هكذا كتب «زكريا» اختبارات القبول لدخول مدرسة هاري بوتر الافتراضية هذه، والاختبار عبارة عن أسئلة من عالم السلسلة، يعرفها من قرأ الكتب أو شاهد الأفلام، واجتاز الأعضاء الاختبار لتبدأ مرحلة تكوين المدرسة.
سمّى «زكريا» الجروب العام باسم «البهو العظيم» الذي يجمع الطلبة جميعًا كما ورد في السلسلة، وعن طريق أسئلة أخرى خاصة بعلم النفس صنّف الطلبة إلى المنازل الأربعة في القصة وهي:
- جريفندور: المنزل الخاص بمحبي الشجاعة والمخاطرة والنزعة الفروسية، شعاره الأسد ولونه القرمزي.
- ريفينكلو: منزل للأذكياء والمبدعين، محبي التفكير المنطقي والثقافة، شعاره النسر ولونه الأزرق.
- هافلباف: منزل الطيبة والإخلاص، أفراده متماسكون دومًا في تعاون وإخاء، شعاره حيوان الغرير ولونه الأصفر.
- سليذرين: منزل الافتخار والاعتزاز بالعراقة، أشخاص عمليون يسعون للطموح برغم كل شيء، شعاره الأفعى ولونه الأخضر.
الآن صار لكل منزل جروب آخر خاص به يجتمع فيه طلبته وحدهم، وبدأت السنة الدراسية الأولى. حدد «زكريا» بصفته مدير المدرسة بقية المراكز الإدارية، المدرسون ورؤساء المنازل.
تقرر أن تكون مدة الدراسة شهران بعد انتهاء السنة الدراسية (الحقيقية)، وكل أسبوع درس جديد في أحد المواد السحرية، وكل درس يتبعه «فرض منزلي» أو «واجب» معين ينفذه طلبة المنزل.
يعطي مدير المدرسة درجات معينة بحسب جودة الواجب، وفي نهاية العام الدراسي يفوز المنزل الحاصل على أكبر عدد درجات خلال العام، مع أنشطة أخرى ودرجات إضافية يحددها الرؤساء.
تحمس الجميع لهذه التجربة الفريدة، فقد منحتهم فرصة الهروب من الواقع إلى عالم يحبونه مع أشخاص لديهم نفس الاهتمامات، مما يضمن لهم التسلية والاستمتاع، لكن المدرسة أعطتهم استفادة أكبر مما توقعوا.
مدرسة لبقية الحياة
منذ 2011 والدراسة في مدرسة السحر (الفيسبوكية) ما زالت قائمة كل عام في موسم الصيف، تعلن عنها صفحة هاري بوتر ويدخلها الطلبة الجدد بالاختبارات ليعيشوا التجربة مع الكثير من التطوير والتحسين، لكن لماذا استمرت كل هذا؟
اتضح للجميع أن الأسلوب الجاد في التعامل داخل المدرسة جعلها أشبه بمؤسسة إدراية حقيقة وإن كانت قائمة على الخيال. يحكي لنا طلبة المدرسة عن الفوائد التي اكتسبوها من التجربة:
- بحث وشرح وترجمة
الواجبات المنزلية المطلوبة تحتاج إلى البحث في الانترنت عن المعلومات الدقيقة في مواقع هاري بوتر الإنجليزية، كما أنها شبيهة جدًا بالعلوم الحقيقية، وهكذا يكتشف الطالب أن عليه البحث والفهم والترجمة كي يتمكن من عمل الواجب!
الشيء الثاني أن بعض الدروس تتطلب معرفة بقوانين الكيمياء والفيزياء، مع الرسومات البيانية المعقدة. كل هذا يفعله الطلبة كما يفعلون في المناهج الواقعية، لكن الفرق أنهم يفعلون هذا في مدرسة السحر بإرادتهم الحرة مع الشغف والاستمتاع.
يحكي سعيد محمود، مهندس كهرباء وطالب من منزل «ريفينكلو» عن أحد دروس مادة التحويل Transfiguration قائلاً: «مادة التحويل في القصة شبه الكيمياء بالظبط لأنها بتوصف إزاي الساحر بيحول الكائن اللي قدامه من حاجة لحاجة تانية! كان فيه معادلة كتبها أستاذ المادة ناس مفهتمتهاش! ومن هنا شرحنا يعني إيه تناسب طردي وتناسب عكسي، ده غير إننا احتجنا نترجم كلمات كتير بجوجل طبعًا».
أستاذ المادة أحمد شريف، مهندس كيميائي ورئيس منزل «ريفينكلو» يذكر المعادلة التي كتبها وقتها: «تتناسب دقة التحويل(t) طرديًا مع قوة العصا السحرية المستخدمة (W) وقوة تركيز الساحر ذهنيًا على الصورة المطلوب التحويل إليها (c) ، بينما تتناسب عكسيا مع مدى شراسة الكائن المراد التحويل إليه (v) يتم وضع هذه القيمة مساوية (1) في حالة الجمادات، ومع وزن الجسم المراد تحويله مقارنة بوزن الساحر نفسه ((Ao/Ah».
ويعلق «شريف» على المعادلة: «الموضوع طبعًا مش شعوذة وسحر بجد! السحر في هاري بوتر كأنه علم عادي، وفيه مادة زي الفلك بتدرس النجوم، كمان مادة تاريخ السحر فيها أحداث كاملة متسجلة، وكله موجود على النت في موسوعات السلسلة بس محتاج ترجمة».
- Office وتصميم جرافيك
بعد تجميع المعلومات عن الواجب المنزلي، يلزم الآن تنسيقها وعرضها بالشكل المناسب لتنال أعلى الدرجات، وهنا يأتي دور برامج العرض مثل الـ word أو الـ ،power point ويتنافس الطلبة في ابتكار طرق فنية لعرض الواجب، حتى أنهم صنعوه في مرة بشكل مقطع فيديو.
الجانب الأهم هنا هو تصميم الجرافيك الذي يجعل الفرض في أفضل صورة، ولهذا فقد تعلم بعض الطلبة العمل على برامج مثل فوتوشوب خصيصًا لأجل المشاركة.
تقول أميرة علي، طالبة بكلية صيدلة ورئيسة منزل «سليذرين»: «قسّمنا منزلنا لتخصصات، فيه قسم ترجمة وقسم بحث وقسم تنسيق، وطبعًا قسم التصميم، أنا اشتغلت جرافيك كتير في المدرسة واتطورت جدًا، مع كل واجب كنت بعرف أساليب جديدة، دلوقت بقيت أعمل شغل احترافي في اتحاد طلبة صيدلة الرسمي».
أما علي السيسي، مصمم جرافيك ورئيس منزل «سليذرين» الحالي، يقول: «كنت واخد الموضوع منافسة مع المنازل التانية، وده حمسني جدًا، أنا دلوقت شغلي اللي بعيش منه قايم على المهارات اللي اتعلمتها في مدرسة السحر».
- الصحافة
في عالم هاري بوتر الخيالي، توجد جريدة معروفة باسم «المتنبئ اليومي» تنشر أخبار السحرة كأي جريدة عادية، ولهذا جاءت فكرة إنشاء جروب خاص بالجريدة، يدخله الطلبة محبي الصحافة وكتابة المقالات. يقول فارس سعد من سوريا، طالب بكلية طب أسنان وأحد أعضاء منزل «سليذرين»: «اقترحت فكرة الجريدة على المدير، فقرر إعطاء نقاط إضافية لأحسن مقال، وبالفعل نفذنا الفكرة وصرنا نكتب الكثير من الأخبار بأسلوب الكتابة الصحفية الأكاديمي، وننشر الأخبار في البهو العظيم - الجروب العام – كل عام ويقرأها الطلبة، في بعض الأحيان تسبب الأخبار بلبلة وإشاعات بين الجميع!».
- كتابة القصة
بطبيعة الحال، الطلبة في مدرسة متخيلة كهذه يملكون خيالاً شاسعًا، ولذا فهم يحبون كتابة القصص لا سيما من وحي السلسلة، بعض الطلبة يكتبون الواجبات المنزلية على هيئة قصص متقنة، كما تقام مسابقات عديدة لاختيار أفضل قصة.
وقد استطاع بعض الطلبة في المدرسة أن ينشروا أعمالهم الخاصة في دور النشر الحقيقية، مثل الكاتب حسام نادر صاحب رواية «جيكاي: غضب أبادون» المنتمية لأدب الفانتازيا.
- المواهب الأخرى
من أجل إشعال روح التنافس، توجد نقاط إضافية على المهارات المختلفة عند الطلبة مثل الرسم والشطرنج وحتى في قراءة الكتب ومناقشتها، وهناك جوائز خاصة لأفضل رسام وأفضل لاعب شطرنج وأفضل قارئ.
- الإدارة والعمل الجماعي
في كل واجب منزلي يسعى الطلبة للعمل في أسرع وقت، لأن التسليم له ميعاد محدد، والمنزل الأسرع في التسليم ينال درجات إضافية، وهذا ما يجعل الجميع يتعاونون بأفضل شكل داخل المنازل.
تقول ميساء التميمي، من الأردن، أخصائية تخاطب ورئيسة لمنزل «ريفينكلو» لمدة 3 سنوات: «الدقيقة الواحدة تشكل فرقًا وكأنها منافسة حقيقية، خسر منزلنا في أحد السنين بفارق نقطة واحدة!، لكن الجميع ضحك في النهاية».
- راديو المدرسة
في منتصف العام الدراسي ونهايته، يقيم مدير المدرسة حفلة خاصة واستراحة من الدروس، وفيها يسمع الطلبة راديو مباشر خاص ينشأه المدير، يسمعون أغنيات معينة وموسيقى هاري بوتر، والأهم كلمات بأصواتهم كأنهم مذيعين. محمود فتحي، طالب بكلية الهندسة ومدير المدرسة لأربعة سنوات، يقول عن تجربته: «اتعلمت كتير عن المونتاج والصوتيات، كنت بعمل الراديو مباشر واستقبل مقاطع من الطلبة واذيعها، كأني في استوديو حقيقي».
معارف لباقي العمر
حين سألنا طلبة المدرسة عن الاستفادة من هذه التجربة التي تبدو للبعض غريبة أو ربما تافهة، أجمعوا أنهم غير نادمين للحظة على الوقت الذي يقضونه في هذا العالم الخيالي، خاصة بعد كل المهارات التي اكتسبوها بلا تعب أو ملل في إطار خيالي يعشقونه.
كما أجمع الطلبة أن أكبر فائدة هي تعرفهم على أشخاص يشبهونهم، عقليات ذكية وخلاقة من كل الأعمار تبقى معهم لسنوات، كما يلتقون في معرض الكتاب من كل عام، فقد صاروا اجتماعيين بشكل أكبر مما مضى.
ونقلنا لكم هذه التعليقات من طلبة المدرسة:
- لم أكن أستطيع الحصول على الكتب بسهولة بسبب مصادرة قوات الاحتلال، لكني وجدت الصبر والصداقة في المدرسة مع محبي الخيال الآخرين، رنين القدوة/ كلية القانون من فلسطين.
- علمتني المدرسة كثيرًا عن فنون الكتابة، وهذا ما سيدفعني للنشر في أماكن كبيرة في المستقبل، أسماء غنام/ كلية صيدلة من مصر.
- لم اتفاعل في جروب المدرسة مثل الآخرين في الحقيقة، لكني أحب عالم هاري بوتر ولهذا عشت التجربة بسعادة، أمل سليماني/ كلية علوم من السعودية.
- تعرفت في المدرسة على أشخاص في منتهى الذوق كسروا شعوري بالوحدة، أصبح هذا الجروب بمثابة بيتي الثاني، مرح ميمة/ ثانوية عامة من سوريا
- ساهمت المدرسة في تكوين شخصيتي منذ دخلتها في الصف الثالث الإعدادي وحتى الآن في كليتي، أنا ممتنة لهذا المكان طوال عمري، سمر موسى/ كلية الطب من مصر.
- في المدرسة اعيش في عالم آخر تمامًا أفضل وأكثر تشويقًا من العالم الحقيقي الممل في أغلب الأوقات، رضوى عشماوي/ كلية العلوم من مصر.
- لحظات المنافسة الحماسية في المدرسة لا وصف لها، أجمل لحظاتي أعيشها في هذا المجتمع الذي لم يعد خياليًا عندي، يوسف فكري/ كلية الهندسة من مصر.
مدرسة حقيقية
إذا كان أحمد زكريا قد سبق في تأسيس مدرسة هاري بوتر الافتراضية في 2011، فقد سبقت دولة بولندا في تأسيس المدرسة الحقيقة في 2016، وهذا في قلعة «تشوخا» التاريخية على مقربة من العاصمة البولندية وارسو.
القلعة الأثرية تستقبل الطلبة على مدار أربعة أيام مقابل 280 يورو، ليدرسوا المناهج السحرية كالفيلم تمامًا، ويصنفون إلى منازل مختلفة ويرتدون الرداء الموحد للمنزل، ولا يخلو الأمر من المنافسة والمخاطرة، لكن بلا تعاويذ أو تنانين أو أشرار.
ربما من الصعب على عشاق هاري بوتر أن ينشأوا قلعة حقيقية مثلما حدث في بولندا، لكن ربما تتطور وسائل الاتصال في المستقبل كما يحدث في أفلام الخيال العلمي لينتقل الطلبة إلى عالمهم اخاص عن طريق الحاسب الآلي.
حينها تصير المدرسة حقيقية كلاً وجزءًا، هروبًا من الواقع ومحاكاة لقصة هاري بوتر بشكل كامل، يطلق فيه الطلبة التعاويذ من العصا السحرية، ويطيرون ويحاربون، وحتى هذا الوقت، يبقى موقع «فيس بوك» خير بديل مع الكثير من التخيل والحلم.