انفصال لكن دون طلاق.. هكذا يتحايل الزوجان على الرباط المقدس
تخرجت ريهام من كلية الآداب وتزوجت من جارها أمير، ولكن سرعان ما اشتدت الخلافات في السنة الأولى من الزواج. الشك ملأ حياة الشريكين وجعلهما يختاران الانفصال دون طلاق والعيش تحت سقف واحد حفاظًا على صغارهما.
قصة ريهام وأمير تتشابه مع حالات أخرى كثيرة، كشفت عنها إحصائية أعلنها رئيس الجمهورية في المؤتمر السادس للشباب بأن هناك 15 مليون طفل مصري يعيشون بدون أب وأم عن طريق الانفصال دون طلاق.
ريهام.. أريد خلعًا
ريهام زوجة غيورة، أدت غيرتها إلى شجار دائم بينها وبين زوجها الذي استسهل الكذب لتنتهي المشاحنات اليومية وهو ما جعلها تغضب سريعا، تذهب صاحبة الـ27 عاما لمنزل الأهل بمعدل مرة كل شهرين، ثم يسترضيها زوجها أمير لتعود مرة أخرى ولكن يبقى الوضع كما هو عليه.
بعد أربع سنوات من المشاحنات اتفق أمير وريهام على الانفصال دون الطلاق رسميا.
وافقت ريهام، وأصبح كل منهما في عرفة منفصلة عن الآخر يعيش حياة مستقلة في كل تفاصيلها. تنام ريهام بغرفة ابنتها التي نقلت إليها أغراضها وملابسها، وهو في غرفة النوم.
ينفق بما يستطيع عن المنزل وفي المقابل تتصرف زوجته بحرية مطلقة دون تدخل منه.
أكثر ما يؤرق ريهام حين تسألها طفلتها الصغيرة :«انتي ليه زعلانه من بابا يا ماما». الزوجة تشعر بالذنب لكنها لم تعد تحمل أي مشاعر تجاه زوجها، تقول إن الاحترام المتبادل بينهما وعدم التدخل في الخصوصيات جعلهما يعيشان لعام ونصف في ذات الشقة دون خلاف.
متى تلجأ إلى الطلاق؟.. وكيف تعيش حياة جديدة سعيدة؟
فاطمة..الانفصال خير من الطلاق
فاطمة البالغة من العمر 24 عاما، أم لرضيع لم يكمل عامه الثاني بعد، تزوجت من أحمد الذي يكبرها بستة أعوام وبعد أشهر من الزواج اصطدمت بطباعه الحادة في التعامل، والتي وصلت إلى حد الإهانة والضرب، لم تقبل الوضع وأسرعت لوالدها الذي «خذلها» بقوله «ده جوزك ولازم تتحمليه».
كانت حاملا ولم تقبل العودة مع زوجها للمنزل، وذلك ما دفع والدها لضربها هو الآخر حتى وافقت تحت ضغط وعادت لمسكنها.
تكرر أمر الضرب، وفي كل مرة يعتذر لها الزوج، ضاقت بها الدنيا بعدما شعرت باستحالة التغيير، ورفض زوجها للطلاق.
طلبت فاطمة من زوجها أن ينفصلا فهي لم تعد تتحمل العيش معه. رفض أحمد بشدة ولكن أمام إصرارها وافق على شرط أن يكون هذا الهجر لمدة شهر واحد فقط، رضيت الزوجة وبعد انتهاء المدة حاول زوجها التودد لها ولكنها لا ترغب في ذلك: «بقالنا شهور على الحال ده.. هو بيحاول يرجع الوضع بس أنا برفض.. مش قادرة أسامح».
ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، 40% من الطلاق يحدث في الخمس سنوات الأولى من الزواج، وبلغ عدد شهادات الطلاق في 2017، 198269 مقابل 192079 عام 2016 بزيادة قدرها 3.2%.
رأي الشرع
يصنف عضو مجمع البحوث الاسلامية الدكتور محمد الشحات الجندي، المنفصلين بدون طلاق إلى شقين، الأول هوانفصال الأزواج تحت سقف واحد بغرض الخوف من المجتمع أو لقب مطلق ومطلقة وذلك لا يجوز شرعًا.
أما الانفصال في الحياة والعيش بنفس المنزل خوفًا على مصلحة الأبناء، فهو الأخف ضررا، ولا مانع من ذلك ما دامت مصلحة الأطفال هي عين الاعتبار وخوفًا على تشريدهم إذا تم الطلاق.
برأي الأستاذ بكلية أصول الدين، ارتفاع أعداد المنفصلين دون طلاق كارثة تلحق الضرر بالمجتمع وتدق ناقوس الخطر على مستقبل الأطفال المعرضين لمشاكل كبيرة. ويقول لـ«شبابيك» هذه الظاهرة تحتاج معالجة ناجزة وفعالة.
وينصح لتلاشي هذه الظاهرة، بالتوعية المسبقة من الأسرة وتربية الأبناء على مسئولية الزواج، كما أن الخطاب الدعوي مطالب بتوعية الشباب المقبلين على الزواج.
ويحيل مسؤولية الأزمة المتفاقمة داخل المجتمع إلى الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، باعتبارها سلاحا ذو حدين ومصدرا لخلط المفاهيم.
ويذكّر الدكتور محمد الشحات الجندي، بالآية الكريمة: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا».
ماذا يقول علم النفس؟
استشارية العلاقات الأسرية، الدكتورة غادة حشمت ترى أن الانفصال دون طلاق يعتبر مهلة للطرفين لاختبار المشاعر والعلاقة، لكن لا يصح أن تكون أسلوب حياة لما ينتج عنه الكثير من الضرر على الأبناء.
تُعرّف حشمت تلك الحالة بما يسمى الانفصال العاطفي بين الزوجين، وترى أن الطلاق أفضل بكثيرمن أن يعيشا معًا منفصلين لما يسبب ذلك من اكتساب الأبناء الكثير من الخصال السيئة، حيث يتعلم أحدهم الفتنه ليقوم بنقل أخبار الطرف الأول للثاني، أو النفاق حيث تحاول الأم استجداء الصغار لكسبها في صفها أو العكس، أو الكذب، وغيرهم من الصفات.
الأبناء يعانون مشاكل نفسية فهم يشعرون دائمًا بالتهديد والخوف من حدوث الطلاق، وذلك يأخذ الكثير من طاقتهم وطفولتهم ويحول دون اهتماماتهم، كما ينعكس عليهم بالانطواء وعدم الثقة بالنفس.
تشير استشاري العلاقات الزوجية، إلى أن الأبناء الذين يخضعون لتجربة انفصال بين والديهم يؤثر عليهم في الكبر، حيث يسترجع العقل الباطن التجارب والمواقف والشعور الذين مروا به أثناء انفصال والديهم، وأحيانًا يصل الأمر حد العقد النفسية والعزوف عن الزواج خاصة من قبل الذكور.
تنصح حشمت ألا تطول مدة الأنفصال عن شهر واحد، ثم يتفق الطرفان على الطلاق إذا لم يحدث وفاق بينهما، والخطوة التالية هي الجلوس مع الأبناء وشرح الموقف لهم بتعقل دون شجار.
ويبقى الانفصال تحت سقف واحد، حل من وجهة نظر طرفي العلاقة، للتحايل على الرباط المقدس الذي جمع بينهما، لكن هل يتحمل الزوجان تكلفة الثمن الذي يدفعه أبناءهم نظير هذا الفعل؟