لماذا انقلب الشباب على «البوب» محمد البرادعي؟
منذ مغادرته القاهرة في صيف 2013 الصعب، لم تخل تغريدات نائب رئيس الجمهورية السابق محمد البرادعي، من التناقضات والسخرية معا، فلم يعد حسابه ملاذ مريديه لاستشراف المستقبل، كما كان في السابق، بل لمتابعة أزماته الإنسانية المرهفة مع قضايا العالم.
حساب «البوب» يزخر دائما بإنسانية مفرطة يتحدث بها عن قضايا إقليمية شائكة مثل أزمة القضية الفلسطينية وأوضاع اللاجئين العرب بعد الشتات السوري والليبي واليمني، لكن تغريدته الأخيرة عن الطائر الرضيع انغمست أكثر في أزمة الضمير العربي الذي يلومه البرادعي دائما.
وقال مؤسس حزب الدستور في تغريدته: «الأسبوع الماضى سقط طائر رضيع من عشه قرب مكان أقيم به فى قرية أوروبية، وبعدها قامت الدنيا ولم تقعد بين الجيران لرعايته والعناية به حتى استطاع الطيران بمفرده بعد أسبوع.. تابعت كل ما جرى وخواطر عديدة تتصارع فى ذهنى: كيف وصل البعض لهذا المستوى من رقى المشاعر وأين نحن من هذا؟».
تغريدات «البرادعي» تواصل إثارة الجدل
التغريدة أثارت جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي نظرا لحديثه عن طائر رضيع غير معتاد السماع عنه في ثقافتنا العربية، بالإضافة إلى سئمهم من الطريقة التي يتحدث بها صاحب نوبل عن الأخلاق والضمائر الغائبة عن أبناء الوطن العربي. وهو ما استدعى معه مواصلة التعليق من جديد لإحساسه بأزمة في التواصل مع قطاع الشباب: «ما نراه على مواقع التواصل وفى الإعلام يثير الفزع بالنسبة لحاضر ومستقبل الوطن العربى.. كم هائل من الغيبوبة العقلية والانحطاط الخلقى والتصحر القيمى.. الفرق بين الإنسان والدواب هو العقل، والعقل ركيزته العلم بمعنى المعرفة والقيم.. غياب التعليم المتميز جريمة متكاملة الأركان..!!».
بدا أن طريقة تعبيره عن آرائه، وخصوصا المتعلقة بمستقبل الديمقراطية وحروب المنطقة، خصمت جزءا كبيرا من رصيده وشعبيته في الأوساط الشبابية، فهذه المرة لم يتحرك الإسلاميون أو الإعلاميون المؤيدون للنظام لمهاجمته، كما هو معتاد، بل انضم إليهم الشباب الليرالي، الذين لم يعد ينظرون له بأنه الملهم، بل مجرد معارض يعيش في المنفى لا يمتلك سوى حساب إلكتروني.
يرى عضو المكتب السياسي بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي محمد سالم، أن انضمام الشباب إلى حفلات السخرية على البرادعي يعكس شعورهم بخيبة الأمل التي تسبب فيها لهذا الجيل، فهو أضاع الثقة التي منحها له الشباب المؤمن بالتغيير في مصر.
البرادعي لم يكن المسيح المخلص
البرادعي لم يكن المسيح المخلص المنتظر كما كان يتصور الحالمون، هو مجرد رجل خذل الجميع بسبب مواقفه المترددة بعد ثورة 25 يناير» يضيف سالم.
وعدد هذه المواقف في رفضه الاستحواذ على الحكم بدون انتخابات حقيقية في العام 2012، حتى قرر انسحابه منفردا لأسباب مثالية، دون مراعاة لأحلام عشرات الآلاف من شباب حملته على مستوى الجمهورية.
«كان وقت ما ينفع يكون في تفاوض بجد مع الإخوان أو الجيش كان بيلجأ للتويتر وللميدان باعتباره مبيحبش أنصاف الحلول، كما كان يفضل الانسحاب الانهزامي المصحوب بغطاء أخلاقي في المواقف التي لا يرضى عنها».
صدمة سالم في البرادعي لم تتوقف عند مرحلة خروجه من السلطة بعد فض اعتصام الإسلاميين بميداني رابعة والنهضة، فاستمرت مرافقة له في سنوات الغربة بالنمسا.
«كنت متوقع منه مثلا بعد اعتزاله السياسة في مصر يكتب لنا مذكراته عن الثورة وعن جبهة الإنقاذ وعن 30 يونيو كي يواجه نفسه بأخطائه أو يعطي للآخرين تجربة موثقة للتقييم العام، لكن فضل أن يعود للتغريد خارج السرب بأحلام مثالية مثل الحديث عن الضمائر والأخلاق وهو ما أوصلنا إلى حالة الإحباط من أي تغريدة جديدة له»، يتابع سالم الحديث عن التحولات في علاقة البرادعي بالشباب.
البرادعي لم يفقد رصيده عند شباب الأحزاب السياسية فحسب، بل تآكلت شعبيته بين قواعد حزب الدستور الذي أسسه في 2012 بهدف تمكين الشباب من حكم البلاد. لكن الحزب سلك مسار الثورة ولم يستطع التماسك أمام ضربات الانقسام الداخلي.
أحداث رابعة العدوية أفقدته جزء كبيرًا من شعبيته
يقول الكاتب الساخر شريف أسعد، عضو مؤسس بحزب الدستور، إن قرار مغادرة البرادعي لمصر عقب أحداث رابعة العدوبة خصم جزءا كبيرا من شعبيته، وتوالت من من بعدها الصدمات في شخصيته.
«شاهدنا وعايشنا كثيرا من الرؤى والأحلام التي تنقلها مجرد تغريدات قصيرة يتصارع مريدوه في تفسيرها طولا وعرضا وكأنها آيات ربانية يرسلها سيادته من وحي حكمته التي اعتقد الدراويش أنها لا تخطئ أبدا» يشرح أسعد كيف أثرت تغريدات البوب على تعميق الفجوة بينه وبين الراهن المصري.
ويشير أسعد إلى أن الشباب نضج وعيه السياسي والشعبي إلى حد كبير وعلم ان سذاجة الأمس لن تستمر، وأن واقع اليوم قد أسقط أحلام الماضي الوردية حين اصطدمت بجدار الواقعية.
وتابع: «الراجل اختار يكون محل سخرية واسعة المدى من أكتر مؤيديه إيمانا في الماضي وهذا مرشح للزيادة الفترة القادمة... الشباب الذي يعيش الواقع السياسي الحالي فهم أن الحكاية مش كلمتين في تويتة».