هكذا تصيبك الأمراض المزمنة بسبب الزعل والتوتر.. عن علاقة الجسم بالمزاج
هل شعرت في مرة بالجوع الشديد، وبقيت منتظرًا لموعد الغداء بفارغ الصبر، ثم استقبلت فجأة مكالمة ضايقتك أو خبرًا أزعجك، فلم تعد راغبًا في الطعام، وإذا سألوك عن السبب قلت: «نِفسي مسدودة!».
هكذا أثرت نفسيتك على جسدك، وجعلك التوتر والضيق تفقد شهيتك رغم احتياجك للطعام، فما تفسير هذا الأمر؟ وما هي حدود العلاقة بين نفسيتك وجسمك؟ وهل هناك أكثر من مجرد فقدان الشهية؟ إجابات هذه الأسئلة تتعرف عليها في هذا التقرير من «شبابيك».
نفسك وجسمك.. ملك وكتابة
العلاقة بين الحالة النفسية (المزاجية) والجسدية شغلت بال أقدم الأطباء والفلاسفة مثل «ديكارت» و«أبقراط» ومن بعدهما «فرويد» الذي أكّد أهمية العوامل النفسية وتأثيرها في جسم الإنسان.
أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس طلعت حكيم في كتابه «التحليل النفسي لمرض السكر» يشبه العلاقة بين النفس والجسم بأنهما وجهان لعملة واحدة (ملك وكتابة)، فالجسم يتأثر بالحالة النفسية والعكس صحيح، فالجسد أيضًا يؤثر على النفس.
في دراسة أمريكية بجامعة ميرلاند وشملت الدراسة 20 رجلا وامرأة بصحة جيدة وغير مدخنين، اتضح أن الضغط النفسي أدّى إلى انقباض الأوعية والشرايين بعكس المزاج الجيد الذي جعلها تتسع مما يعني صحة أفضل وشفاءََ أسرع.
الأمراض «النفس - جسمية»
بسبب هذا الترابط بين الجسم والنفس، تؤثر المشاعر السلبية على جسد الإنسان لدرجة الإصابة بالمرض، وهذا ما يُعرف بالأمراض النفس - جسمية أو السيكوسوماتية، أي المرض الجسدي الذي تسببه نفسية الإنسان دون عوامل خارجية كالحوادث أو الفيروسات مثلاً.
أخصائي الطب النفسي أحمد النحاس يقول لـ«شبابيك»، إن ارتباط الجسم بالنفسية ومزاج الإنسان يبدأ من الموصلات العصبية في الجسم كالسيروتونين والأدرينالين، والتي يضطرب إفرازها مع اضطراب الحالة النفسية وبالتالي تحدث الأعراض والأمراض النفس - جسمية أو الإصابة بالاكتئاب.
هذه الأمراض تشمل قائمة طويلة أهمها قرحة المعدة، والقولون العصبي، والصداع المزمن، وارتفاع ضغط الدم، وسقوط الشعر، وكثرة التجاعيد، وحساسية الجلد، وزغللة في العين، وقد يتطور الأمر إلى جلطات مخية أو الإصابة بالسكر.
لماذا تتأثر النفسية؟
في كتابه «علاقات خطرة» يصنف استشاري الطب النفسي محمد طه أسباب التأثير النفسي السلبي على جسم الإنسان كالتالي:
ذكريات من الماضي
يشبّه الدكتور محمد طه جسم الإنسان بالمتحف، فهو يحتفظ بذكريات قديمة جدًا لصاحبه، حين يتعرض لمواقف معينة من الطفولة وحتى الموت، كأنه ذاكرة أخرى مثل التي في المخ.
عندما يخطو الطفل فوق السجادة مثلاً بالحذاء وتأمره أمه بقسوة ألا يفعل هذا، تحتفظ قدمه بهذه الذكرى، وحين يأتي ليمشي مجددًا على السجادة سيجد قدمه ترفض رغبته أو تتردد في المشي.
مثال آخر أكثر وضوحًا في حالة تعرض الفتاة للتحرش، لا ينسى جسمها المواضع التي لمسها شخص آخر بطريقة همجية، ويبقى هذا الموضع في جسمها يؤلمها بشكل نفسي وإن لم يكن جسديا.
الخجل من التعبير
في بعض المجتمعات، يخجل الإنسان من التعبير عن آلامه ومشاعره للعالم الخارجي، وبالتالي تظل هذه الآلام النفسية محبوسة داخله ولا تجد مخرجًا لها إلا الوعاء الذي يحتويها، أي الجسد نفسه.
يشير الدكتور محمد طه إلى أن الأمراض النفس- جسمية، تنتشر في مصر بشكل كبير بسبب هذا الخجل من التعبير عن المشاعر، لأن المجتمع يعتبر هذا الفعل «عيب وغلط وقلة أدب ومُحن».
الحاجة للاهتمام
مشكلة أخرى يسببها المجتمع المحيط بالإنسان، وهي عدم التعاطف معه والاهتمام بمشاكله، فلا يكتفي المجتمع بمهاجمة الشخص إذا عبّر عن مشاعره، بل يبالغون في انتقاده.
الطالب الذي لم يحصل على درجة ترضي أهله في الامتحانات يلاقي الإنكار والمعاملة السيئة، حتى مع بذله للمجهود، وبالتالي يشعر أنه مجرد أرقام وليس إنسانًا من لحم ودم.
الفتاة التي تعرضت للتحرش تلاقي الأمر نفسه، فالمجتمع ينكرها ويأمرها بالسكوت، ويجعلها تشعر بأن جسدها صار عارًا عليها، وهكذا تكره الفتاة هذا الجسد من الأساس.
هل هي الأمراض فقط؟
يضيف الدكتور محمد طه أن الأمر لا يقتصر على الأمراض النفس- جسمية فقط، بل يقرر الشخص أحيانًا أن يتمرد على جسمه بنفسه كي يتخلص من الضغط، فيؤذيه بشتى الطرق. فيشد شعره أو يجرح نفسه أو يمتنع عن الأكل كي يحرم جسمه من الغذاء.
وفي هذه الحالة سيحارب الجسم صاحبه، ولن ينفذ رغبته في الرجيم مثلا، فالعلاقة بين الجسم والنفس لا بد أن يشملها احترام متبادل، وعندها سيطيع الجسم صاحبه بأقل مجهود ممكن.
استمع لجسمك وطبيبك النفسي
يشير الدكتور أحمد النحاس إلى إهمال المريض في العادة للجانب النفسي عندما يتأذى جسمه، فعادة ما يزوره المرضى ومعهم «دوسيه» ضخم من الفحوصات والتحاليل والأشعات التي أجروها لظنهم أن المشكلة جسدية، قبل أن يفكروا أخيرًا في زيارة الطبيب النفسي.
يجب الاهتمام بسلامة الجسد النفسية كما نهتم بسلامته العضوية، ويعدد «النحاس» طرق العلاج للأمراض النفس-جسمية إلى:
-
الدواء: يتناول المريض أدوية نفسية معينة كي تتعدل كميات الموصلات العصبية في المخ.
-
العلاج المعرفي السلوكي: عن طريق الجلسات النفسية مع الطبيب، فيصبح المريض مدركًا لحقيقة مرضه ويحاول تعديل فكره.
-
رياضات بسيطة منتظمة: ممارسة رياضة بسيطة كالمشي يوميًا وبشكل منتظم ستجعلك أكثر صفاءً وتحسن من نفسيتك.