تمكين الشباب في المجتمع الإسلامي.. هكذا وثق فيهم النبي وجعلهم قادة وسفراء
لم يغفل النبي محمد في كثير من المواقف تأكيده على أهمية الشباب في المجتمع، وضرورة الاستفادة من قدراته والاستعانة بهم في إدارة أمور الدولة كما تحكي السير النبوية.
في هذا التقرير من «شبابيك» ستعرف كيف استثمر الرسول محمد الشباب وطاقاتهم وقدراتهم، وجعلهم في مناصب قيادية ومهمة وأسند لهم المهمات الخطيرة.
اختيار الشباب في قيادة الجيوش
قبل وفاة النبي (ص) بأيام، أمر بتجهيز الجيش وتحركه إلى الشام في مواجهة الروم، واختار له قائدًا في سن الـ 18 من عمره بدلاً من كبار الصحابة مثل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، كان هذا القائد هو أسامة بن زيد.
أصر نبي الإسلام على تولية القائد الشاب رغم اعتراض بعض الصحابة، فقد أراد أن يعطيهم درسًا في اختيار الأصلح مهما كان عمره، وأن السن الصغير لا يعني ضعف الإمكانيات، بل يمكن للشاب أن يتولى أعلى المسؤوليات.
لم يكن اختيار أسامة بن زيد لمجرد حب الرسول له ولأبيه «زيد بن حارثة» من قبله، بل لأن هذا الشاب نشأ في بيئة إسلامية خالصة، وقاتل في غزوتي «الخندق» و«حنين» وأراد الانتقام لأبيه ممن قتله في غزوة «مؤتة»، فهو متشبع بروح القيادة والنزال.
تحرك الشاب الخبير بالجيش رغم وفاة النبي (ص) فجأة، فقد أراد خليفته أبو بكر الصديق تنفيذ أوامره مهما حدث، مما أخاف «هرقل» ملك الروم الذي تعجب من رغبة المسلمين في القتال رغم وفاة زعيمهم.
كانت النتيجة انكماش جيش الروم وانسحابه من حدود الشام ممهدًا الفتح للمسلمين، وعاد أسامة بن زيد منتصرًا بلا ضحايا حتى قال المسلمون فيه «ما رأينا جيشًا أسلم من جيش أسامة»
الشباب كسفراء في الدولة الجديدة
في أول مرة يحتاج فيها الإسلام إلى من يمثله في مكان آخر، اختار الرسول مُصعب بن عمير وهو أحد الشباب السابقين إلى الإسلام ليجمع بين دور السفير والداعية، ويمثل الدعوة في الأراضي الجديدة.
حدث هذا بعد بيعة العقبة الأولى التي عاهد فيها 12 رجلاً فقط النبي محمد (ص) على مبادئ الإسلام، وكانوا من أهل المدينة المنورة، فطلبوا سفيرًا إليهم من المسلمين ليعرف الناس بالدين الجديد.
يختار الرسول مُصعب بن عمير ابن الثامنة وعشرين عامًا، لحبه الشديد للإسلام من جهة، ولسفره إلى الحبشة من قبل من جهة أخرى، فهو أقدر على تمثيل الدين الجديد كم أنه معتاد على السفر والترحال، فأصبح أول مهاجر إلى المدينة المنورة.
لم يخيب الشاب الذي سُمي «مُصعب الخير» ظن الرسول، فعاد بعد عام في موسم الحج بثلاثة وسبعين رجلاً من أهل المدينة وامرأة واحدة، ليعاهدوا النبي على الإسلام في بيعة العقبة الثانية وتبدأ مرحلة جديدة في مشوار النبي (ص).
قصص الحب عند الصحابة.. هكذا عشقوا وتعاملوا مع العشاق
زيد بن ثابت.. ترجمان الدولة وجامع القرآن
حين أراد الفتى الصغير زيد ابن ثابت أن يقاتل في أولى غزوات المسلمين المعروفة بغزوة «بدر» أعفاه الرسول لصغر سنه وجسمه، لكن هذا الفتى كان على موعد مع مهمة من نوع آخر، وهي العلم والثقافة واللغات.
حين التمس فيه الرسول قدرة على الحفظ والفهم أمره بتعلم لغة اليهود، لأنه لا يأمن ما يكتبونه له، فتعلمها في نصف شهر فقط وصار يكتب الرسائل إلى اليهود باسم الدولة، ثم طلب منه الرسول أن يتعلم السريانية فتعلمها في 17 عشر يومًا.
أما بالنسبة للقرآن الكريم، فقد كان الرسول يبعث إلى زيد ابن ثابت كلما أتاه الوحي حتى يكتبه، وحين تولى الصحابي أبو بكر الصديق الخلافة بعد وفاة النبي محمد (ص)، أرسل إلى زيد قائلاً «إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- فتتبع القرآن فاجمعه»
بدأ الشاب مهمته الصعبة في جمع القرآن من صدور الحافظين ومن الرقاع والعسب (جريد النخل) وقال حينها «والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن» لكنه أثبت جدارته ونفذ مهمته على أكمل وجه، فكان يستعين بشهادة رجلين في كل آية يكتبها.
علي بن أبي طالب
لا يتوقف الأمر على ذكر هؤلاء الشباب الثلاثة، فقد استعان الرسول بشباب آخرين في مهمات خطيرة كلما جاءت الفرصة، مثل بقاء الفتى علي بن أبي طالب في سريره في يوم الهجرة، واستأمنه على سره في هذا الوقت العصيب.
كما ساعدت أسماء بنت أبي بكر النبي (ص) ووالدها في غار ثور بخدمتهما، وكان لها موقفًا شهيرًا حين نزعت نطاقها (حزامها) لتربط به الطعام والماء في طريقها للغار، فدعا لها الرسول بأن يبدلها بنطاقين في الجنة.