الجالية الفرنسية في مصر.. نساءهم عملوا بالدعارة ورجالهم تاجروا في الرقيق
قبل الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882 كان لفرنسا نفوذها الكبير والمؤثر، وكان لجاليتها دور فعال وواضح يفوق بكثير دور الجالية الإنجليزية.
ولكن هذا الأمر لم يدم كثيراً، فقد غيّر الاحتلال الموازين وبدّل الأمور، فأصبحت الجالية الإنجليزية هي التي تتمتع بالسلطة والنفوذ والهيمنة على مصالح مصر، وكان أمراً طبيعياً بعد أن شلت إنجلترا دور فرنسا السياسي، لكن بعض أفراد الجالية الفرنسية ساعد الوطنيين وتكاتف معهم ضد سياسة إنجلترا في البلاد.
وبحسب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور نبيل عبد الحميد في كتابه «الأجانب وأثرهم في المجتمع المصري (1882 – 1992)»، أحاط بالخديوي عباس حلمي الثاني عدد من الفرنسيين في القصر ليكونوا له عوناً في محاربة الإنجليز في مصر.
وذكر الخديوي في مذكراته التي منحها اسم «عهدي» أن الجماعة الفرنسية التي التقت حوله كانت تتألف من المسيو «بويترون» رئيس اللجنة المختلطة للدومين (أملاك الدولة)، والمسيو «برنير» رئيس المحكمة الابتدائية بالقاهرة والمسيو «ببرونت» المندوب الفرنسي في إدارة السكة الحديد، والمسيو «أرشيد جافيو» الصحفي وزعيم الجالية الفرنسية في القاهرة.
الجالية الفرنسية رقم 4
في مطلع القرن العشرين، احتلت الجالية الفرنسية المرتبة الرابعة بعد الجاليات اليونانية والإيطالية والبريطانية، وكان الفرنسيون يتركزون في الإسكندرية والقاهرة ومنطقة قناة السويس بدرجة كبيرة، وكان منهم فئات مختلفة منها المديرين في الهيئات المالية والصناعية أو شركات الملاحة والبنوك والآخرون مثل التجار والسماسرة وما شابههم إلى جانب المستخدمين وصغار التجار وأصحاب المقاهي وتجار التجزئة وأصحاب المطاعم والحرف الأخرى مثل الطباعة والنقش والبناء. بحسب ما ذكر الدكتور محمود محمد سليمان في كتابه «الأجانب في مصر».
وكان طبيعياً أن تتركز الجالية في منطقة قناة السويس حيث توظف شركة القناة عدداً كبيراً من الفرنسيين، وكانت استثمارات رؤوس الأموال الفرنسية أكبر من أي استثمارات رؤوس أموال أي دولة أخرى في مصر.
وقد بلغ عدد الجالية الفرنسية سنة 1917 حوالي 21270 أي ما يقرب من 12% من عدد الأجانب الأوروبيين والأمريكيين البالغ 182144، ثم زاد عدد الفرنسيين سنة 1927 حتى وصل إلى 24332، ما يعني زيادة عددهم بنسبة 14% عما كانت عليه، ثم أخذ عددهم في التناقص منذ سنة 1937 بسبب الركود الاقتصادي العالمي حتى بلغ 18821 أي ما يقرب من 23% واستمر تناقصهم مع اندلاع الحرب العالمية الثانية حتى وصل في سنة 1947 إلى 9717 فرنسي.
الامتيازات الأجنبية
غير أن ما ميّز الجالية الفرنسية هو الاحتماء بها من الجاليات الأخرى كاليونانيين واليهود والطرابلسيين والجزائريين والمراكشيين بحثاً عن الاستفادة من مزايا الجنسية الفرنسية التي يتمتع حاملوها بالامتيازات الأجنبية التي تكفل لهم العديد من الحقوق.
ووفقاً لهذه الامتيازات التي أقرت في عهد الخديوي إسماعيل على خلفية التوغل الأجنبي في مصر بسبب أزمة الديون، كان لا يمكن القبض على أي أجنبي دون الحصول على موافقة قنصليته، وكذلك عدم مثوله أمام القضاء المصري وإنما القضاء المختلط.
الفرنسية لغة المجتمع الراقي
وبالرغم من أن الجالية الفرنسية كانت قليلة العدد إذ ما قورنت بعدد الجاليات الأخرى فإن أثرها الثقافي كان قوياً، فقد لعبت المدارس الفرنسية دوراً كبيراُ في إدخال الأفكار الأوروبية إلى مصر، كما كان توزيع الصحف الفرنسية في مصر يعادل توزيع الصحف الأجنبية الأخرى جميعها.
وكانت اللغة الفرنسية هي لغة المجتمع الراقي والأكثر شيوعاً في مصر، إلا أنها بدأت تفقد أهميتها أمام اللغة الإنجليزية بعد الاحتلال البريطاني لمصر، حيث مال الآباء إلى إرسال أطفالهم إلى المدارس البريطانية أكثر من نظيرتها الفرنسية، في الوقت الذي كانت فيه اللغة الإنجليزية هي اللغة الأساسية التي تدرس في المدارس الحكومية.
الدعارة وتجارة الرقيق
ورغم نشاط الفرنسيين التجاري وتوليهم مناصب مهمة في الدولة المصرية، إلا أن بعضهم امتهن مهناً وضيعة. فاتجهت بعض السيدات الفرنسيات للدعارة، وكان يرتدد عليهن كثير من المصريين والأوربيين، وقد احتمى هؤلاء بالامتيازات الأجنبية التي تحميهم فيما يضر بمصالح مصر وحقوقها.
كما ضُبط فرنسيون يقومون بالتجارة في الرقيق الأبيض، وهي تجارة غير مشروعة، وضُبط فرنسيون آخرون في شكاوى نصب واحتيال وتزوير واعتداء على الأهالي بالضرب والإهانة.