حديث الصباح والمساء.. حول كواليس وألغاز الموت والخيال العلمي في مسلسل نجيب محفوظ
مين فينا جاي مرساها مين رايح؟
لحظة ميلاد الفرح.. كان فيه حبيب رايح
يا أبو الروايح
يا نرجس.. ما تجس وتر القدر
تلقى حكايات البشر
فيها عبير العبر
صادح
تترنم المطربة «أنغام» بهذه الكلمات عن الحياة والموت ورحيل الأحبة في لحظة الفرح، لتختصر فكرة وأحداث مسلسل «حديث الصباح والمساء» الذي كتبه الأديب الراحل نجيب محفوظ، وكان من آخر أعماله التي شاهدها في حياته حين تم عرضه عام 2001.
حقق المسلسل نجاحًا لافتًا على المستويين النقدي والجماهيري، واختارته مجلة «جود نيوز تي في» الفنية في المركز رقم 20 من بين أفضل 50 مسلسلا مصريا.
في هذا التقرير من «شبابيك» نستعرض أغرب الحقائق وأطرفها حول هذا العمل الناجح الذي تكثر إعادته مرة بعد الأخرى حتى اليوم.
رواية محفوظ الكتالوج
لم تكن رواية نجيب محفوظ التي كتبها سنة 1987 بالتقليدية في الحكاية والسرد، فمن المفترض أن كل قصة تتكون من بداية ثم وسط ثم نهاية بالترتيب الطبيعي للأحداث، إلا أن «حديث الصباح والمساء» كانت بشكل «كتالوج» أكثر منها رواية.
جمع نجيب محفوظ شخصيات القصة بعدد وصل إلى 130 شخصية، ثم كتب لكل شخصية سيرة ذاتية في صفحتين أو ثلاثة فقط، كأنه كتالوج شخصيات وعلى القارئ أن يتناول حكاية كل بطل كقصة منفردة، ثم يجمع بين الحكايات كلها لتكوين صورة عامة، وهكذا يمكن قراءة الرواية من أولها أو آخرها أو حتى منتصفها.
كان نجيب محفوظ يريد صناعة ملحمة زمنية في هذه الرواية، وبالفعل جعل أول أبطاله من بداية الحملة الفرنسية وآخرهم حتى حرب أكتوبر 1973 على مدار 200 سنة كاملة، ليحكي عن الحياة الاجتماعية في مصر وثوراتها خلال هذا الوقت.
لغز «النقشبندي»
السيناريست محسن زايد كان أمام تحديات عديدة في تحويل الرواية لمسلسل، حتى أنه قرأها أكثر من 20 مرة واختار 67 شخصية فقط للجزء الأول من العمل كما حكى لجريدة «البيان» المغربية، واستطاع تكوين قصة عادية يفهمها الجمهور.
حكاية المسلسل تقليدية عن عائلات مصرية تعيش في أحياء القاهرة العتيقة، لكن قبل بداية كل حلقة يرى الجمهور مشاهد ضبابية في حديقة كبيرة تجمع أبطال العمل كله، بينما يظهر «النقشبندي/ عمرو واكد» ممسكًا بكتاب ويحاول الحديث مع هؤلاء الناس.
لا يفهم المتفرج حقيقة «النقشبندي» طوال حلقات المسلسل، فمن هو؟ وما سر هذا الكتاب الذي يحمله؟ خاصة بعد ظهوره في الحلقة الأخيرة راقدًا في مستشفى وزوجته الأجنبية تنتظره في الخارج، وحين يفيق ينادي صارخًا: «الكتاب عايز الكتاب».
هل كان «النقشبندي» يحلم بكل أحداث المسلسل إذن؟ هذا اللغز لن يحله إلا من قرأ الرواية الأصلية، بعدما انتهى الجزء الأول دون تكملة حتى الآن، فانتظر الجمهور كل هذا الوقت بلا فائدة.
مسلسل خيال علمي
«النقشبندي» في الرواية الأصلية هو آخر حفيد للعائلات المذكورة في الرواية، فقد كان ينادي «أحمد ماهر/ يزيد المصري» بجدي طوال الوقت، إلا أنه غادر مصر وقت نكسة 1967 هاربًا إلى ألمانيا، بعدما تخرج من كلية الهندسة.
رحيل «النقشبندي» المفاجئ جعل جده الأكبر يغضب منه، لهذا عاودته عقدة الذنب حين رقد في المستشفى وجعلته يسترجع تاريخ العائلة كله في ذهنه، فهذا لم يكن حُلمًا بالمعنى المفهوم.
أكثر من نظرية علمية تزعم أن تاريخ الإنسان بأكمله موجود في عقله وحمضه النووي مثل نظرية «الوجدان الجمعي» مما يجعل المسلسل فيه جانب من «الخيال العلمي» بشكل ما.
لحظة ميلاد الفرح
عنوان المسلسل «حديث الصباح والمساء» يُقصد به أن الموت والحياة يحدثان في كل صباح ومساء، فعلى مدار حلقات المسلسل يموت العديد من الناس ويولد غيرهم، وكأنها دائرة الحياة تتكرر كل مرة.
أما جملة «لحظة ميلاد الفرح كان فيه حبيب رايح» التي تبدأ بها مقدمة تتر المسلسل، فهي تعني أن الموت قد يحدث حتى في وقت الفرح، فقد جاء في المسلسل في أكثر من مشهد:
-
يموت «يزيد المصري/ أحمد ماهر» في نفس الوقت الذي يولد فيه الابن الأول لـ «عطا المراكيبي/ أحمد خليل».
-
يموت «عطا المراكيبي» نفسه بينما يحضر حفل زفاف ولديه، وحتى لا يتحول الفرح إلى مأتم، تكتم زوجته حزنها وتتركه على كرسيه في غرفة أخرى حتى الصباح.
-
يموت «معاوية / محمود الجندي» في الوقت الذي تتجهز فيه ابنته الأولى لزواجها، فيرتفع صراخ زوجته «جليلة» حزنًا عليه بدلاً من الزغاريد.
مصير جليلة وابنتها
لم يعرف الجمهور مصير بقية شخصيات العمل بعد الجزء الأول، لكن الرواية الأصلية موجودة وفيها مصير شخصيتي «جليلة» وابنتها اللتين حازتا شهرة كبيرة بين الشخصيات:
جليلة
كانت «جليلة/ عبلة كامل» شخصية محورية في المسلسل، تتميز بغرابة أطوارها وخبراتها في الخوارق والغيبيات، وانتهى بها الجزء الأول وهي تعيش في مقبرة الأسرة بعد موت ابنتها وقت ثورة 1919.
تكمل الرواية سيرتها بأنها ستعيش حتى بداية الثلاثينات وتفقد السمع والبصر، فتستخدم يدها فقط لتتعرف على أحبابها، وتعيش آخر أيامها في بيتها القديم تتهرب ابنتها «شهيرة» من خدمتها وتربي القطط في المنزل.
أما مشهد النهاية فكان موتها في ساحة الدار بينما ابنتها نائمة بالأعلى، والقطط تصرخ بتوحش بشكل غريب كأن رحيل «جليلة» لم يكن شيئًا سهلاً.
راضية
ورثت «راضية/ سلوى خطاب» خبرات أمها في الغيبيات، وكانت تؤمن بإرادة الله لكنها تصدق أيضًا في الأولياء وكراماتهم، وانتهى المسلسل بها تبارك ثورة 1919 وتسمح لأولادها بالمشاركة فيها.
تجاوزت «راضية» المائة عام عمرًا، وعاصرت جمال عبد الناصر وكانت تدعو له حينًا وتدعو عليه حينًا آخر، وظلت بصحة جيدة حتى في عامها الأخير، حتى ماتت على يد ابنتها «صدرية» بينما تغني «عودي يا ليالي العز عودي».