ما حدث للمصريين قبل مائة عام.. عن واقع القاهرة في 1919
منذ 100 عام وتحديداً سنة 1919، مر المصريون بأحداث كبيرة مثّلت منعطفاً في تاريخ بلادهم الحديث، وترتب عليها نتائج سياسية واجتماعية ظهرت ثمارها في السنوات التالية.
اندلاع ثورة 1919
في 8 مارس، أمرت السلطات البريطانية باعتقال سعد زغلول ورفاقه من مجموعة الوفد الذي كان سيسافر إلى باريس للمشاركة في مؤتمر السلام والمطالبة باستقلال مصر، فتم حبسهم في ثكنات قصر النيل، ثم تم نفيهم في اليوم التالي إلى جزيرة مالطة.
انتشرت أخبار نفي أعضاء الوفد في 9 مارس، ما تسبب في اندلاع مظاهرات الاحتجاج في القاهرة والمناطق الكبرى، فأضرب طلاب مدارس الحقوق عن تلقي الدروس، وانضم إليهم طلاب من مدارس المهندسخانة والزراعة والتجارة والطب، وتم اعتقال 300 طالب. وفي اليوم التالي تواصلت المظاهرات، إذ أعلن طلاب المدارس الأميرية والأزهر الإضراب.
امتدت المظاهرات من القاهرة إلى الإسكندرية وطنطا ودمنهور والمنصورة وشبين الكوم والزقازيق والفيوم وبنى سويف والمنيا وأسيوط، ومع اتساع نطاقها كانت تتسع وسائل التعبير عن الغضب، حتى بلغت ذروتها بقطع المواصلات، لتشمل خطوط السكك الحديدية وأسلاك البرق والتليفون.
وكان خط القطار الواصل بين طنطا وتلا هو أول الخطوط التي تم قطعها، وامتدت إلى مختلف الخطوط لتنقطع المواصلات بين القاهرة والأقاليم، وبين البلاد بعضها وبعض، وتعذر على الناس أن ينتقلوا من جهة إلى أخرى إلا بطريق المراكب فى النيل والترع.
أسطورة أدهم الشرقاوي
تصاعد الغضب الشعبي أثناء الثورة بهجوم الأهالي على مركز البوليس، ومنها مركز منيا القمح فخلصوا المساجين، وهاجموا محطة السكة الحديد، فأطلق عليهم الجنود النار وقتلوا منهم 30 فرداً، وكان أدهم الشرقاوي واحداً من المساجين الذين فروا من السجون أثناء ذلك، وبدأت أسطورته الشعبية من لحظة هروبه.
واجه القائد العام البريطاني ما يحدث بعدة قرارات أصدرها يوم 17 مارس ومنها تحمل القرى نفقات إعادة السكك الحديدية إلى العمل.
إضراب الموظفين
بعد شهر بالضبط من اشتعال ثورة 1919، تشكلت وزارة عزيز رشدي باشا لكنها استقالت بعد 12 يوماً فقط على خلفية تظاهر المصريين ضدها.
فبعد تشكيل الوزارة بيومين أي في 11 أبريل، سافر أعضاء الوفد (من الحكومة) إلى فرنسا للتفاوض حول استقلال مصر، وانضموا إلى الأربعة الموجودين في فرنسا بعد الإفراج عنهم من معتقلهم بمالطا، ليتكون الوفد من سعد زغلول باشا، وإسماعيل صدقي باشا، وعلي شعراوي باشا، وحمد الباسل باشا، ومحمد محمود باشا، ولطفي بك السيد، ومصطفى بك النحاس، والدكتور حافظ عفيفي بك، وحسين واصف باشا، ومحمود أبو النصر بك، ثم انضم إليهم محمد عبد الخالق مدكور باشا.
لم تكن الوزارة سنداً للموظفين، ما أدى إلى ظهور الموظفين على مسرح الحركة الوطنية إذ شكلوا من بينهم لجنة مكونة من 32 عضواً، وقررت إضراب جميع الموظفين حتى تلبية مطالبهم، ومنها أن تصرح الوزارة بصفة الوفد الرسمية، وإلغاء الأحكام العرفية وسحب الجنود البريطانيين من الشوارع.
وفي اليوم التالي استدعت الحكومة سبعة منهم وتفاوضت معهم وقبلت أكثر طلباتهم، وكتبت بذلك منشوراً عرضته على الجنرال اللنبي المندوب السامي البريطاني فلم يوافق عليه.
تصاعدت الأمور حتى تقرر عقد اجتماع في الأزهر أشبه بمؤتمر تُمثل فيه جميع طبقات الأمة وعُقد بحضور 80 ألفاً، وأيدوا جميعاً مطالب الموظفين، واستمر الأمر على هذا النحو حتى تقدمت الحكومة بالاستقالة.
وبشيوع الخبر، اجتمع في منتصف الليل عشرة من أعضاء لجنة الموظفين، وقرروا العودة إلى أعمالهم، تطبيقاً لما سبق الاتفاق عليه من أنه إذا استقالت الوزارة اعتبرت استقالتها ترضية لهم.
الملك فؤاد يتزوج من نازلي
كانت «نازلي» قريبة إلى أسرة سعد زغلول تشاركهم فى إعداد الطعام في كثير من الأيام، وكانت تسمع دائما «سعد»، وهو يحكى لزوجته «صفية» عن فضائح البرنس أحمد فؤاد. وروى رشاد كامل في كتابه «الملكة نازلى غرام وانتقام»، أن «نازلي» ذات مرة تجرأت أمام الجميع فقالت: «مسكينة تلك الفتاة التي سيوقعها حظها العاثر لتصبح زوجة لهذا الصايع، ولم تعرف أنها هي التي ستكون هذه المسكينة».
عقد «فؤاد» قرانه على «نازلى» في24 مايو 1919. كان فارق العمر بينهما نحو 20 عاماً، وكانت الزوجة الثانية لـ«فؤاد»، وكان زوجها الأول، وصارت «ملكة»، وأصبحت كما ذكر محمد حسنين هيكل فى كتابه «سقوط نظام»، واحدة من ثلاث نساء أدرن خيوط السياسة المصرية قبل ثورة 23 يوليو 1952.
وفاة محمد فريد في برلين
في العاصمة الألمانية برلين كانت نهاية حياة الزعيم محمد فريد. دخل محمد في غيبوبة وأسلم الروح في منتصف الساعة الحادية عشرة من مساء السبت 15 نوفمبر 1919، بعد حياة حافلة بالنضال قاد فيها الحزب الوطني بعد وفاة مؤسسه مصطفى كامل في 1908، ثم سفره إلى أوروبا سنة 1911 بعد تأديته عقوبة السجن في قضية كتابته مقدمة ديوان شعر «وطنيتي» تأليف على الغاياتي.
ظل «فريد» في غربته طوال هذه السنوات يكابده الشوق إلى رؤية مصر، لكن أمنيته لم تتحقق، ولم يهدأ في غربته من النضال بالكلمة والكتابة من أجل استقلال مصر، وأنفق في ذلك كل ما يملك، كما لم يقعده مرض الكبد الذي أصابه وهو في سن الشباب بمصر.
وصل خبر الوفاة إلى مصر مساء يوم 17 نوفمبر، فانتشر النبأ، وقالت صحيفة الأهرام في نعيها يوم 19 نوفمبر: «مات محمد فريد وكفى باسمه وصفاً لحياته، غريباً عن وطنه، حباً في ذلك الوطن، فأحياه الموت في قلب كل مصري وكل محب لمصر، وخلده جهاده لإنقاذ هذا الوطن في التاريخ، إلى جانب كل رجل عظيم ووطني كبير في كل أمة من الأمم».