إحسان عبد القدوس.. عدو إسرائيل المتعاطف مع اليهود
نظارة طبية غليظة تخفي ملامح بشوشة، رسمت على رأس حملت أفكار فريدة، اعتبرت في كثير من الأوقات تمردا على واقع المجتمع المصري، ورغم أن كثيرين يصفون إحسان عبد القدوس (1919/ 1990) بأنه كاتبهم الأول في الحب، والرومانسية والدفاع عن حرية المرأة وحقها في الاستقلال والعمل، إلا أن الكثير يجهلون ما حمله عبد القدوس من أفكار سياسية، ربما خالفت ما اتخذه منهجا في الكتابة الأدبية.
عبد القدوس الذي نشأ في بيئتين متضادتين في طريقة العيش فجده لأبوه الشيخ رضوان عبد القدوس، كان رجلا محافظا وكان يفرض على أسرته الالتزام بالتقاليد، بينما والدته روز يوسف، تركية الأصل ولبنانية النشأة والمولد، تربت في بيئة مغايرة، لذا أثر ذلك في فكر الأديب الراحل على المستوى الاجتماعي والسياسي، كان معارضا شرسا لمعاهدة كامب ديفيد، وتعرض للسجن أكثر من مرة، وتمت تنحيته عن رئاسة تحرير ومجلس إدارة الأخبار بسبب هذه الآراء.
بدأ عبد القدوس الاحتكاك بالقضايا السياسية في مجلة والدته روز اليوسف عندما فجر قضية الأسلحة الفاسدة، إبان حرب فلسطين 1948، ليتولى من بعد ذلك في الصحف التي عمل بها مهمة الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والتحدث عن قضيته.
عبدالقدوس يعرف نفسه
في مقدمة كتابه «خواطر سياسية» الصادر عن دار أخبار اليوم، يرفض عبدالقدوس ان يصنف نفسه ككاتب سياسي أو كاتب قصة، ويقول إنه واجه هذا السؤال كثيرا إلى أنه يتركه للناس، مشيرا إلى أنه كان كذلك منذ صباه فكان يقضي يومه كله مع الطلاب في المظاهرات الرافضة لوجود الاحتلال الإنجليزي بمصر، ويعود لبيته في المساء ليقرأ قصصا لا علاقة لها بالسياسية.
«الشارع السياسي»
ويعيب عبد القدوس على نفسه في هذه النقطة حيث أنه يقول في نفس الكتاب إن التنوع بين الكتابة الأدبية والسياسية، جعله غير محترف ووضع دائما في موضع المتفرج، فلم ينضم إلى حزب سياسي، وهو ما جعله يطلق تعبير «الشارع السياسي» وينتقد الجميع بما فيهم رئيس الجمهورية أنور السادات، لاسيما وقت انعقاد مفاوضات كامب ديفيد بين القاهرة وتل أبيب، ويقول إنه يطلق عبارات الرفض التي يرددها العامة، وليس النخبة.
فلسطين محور رئيسي
يتناول كتاب عبد القدوس الذي جمع فيه صفوة مقالاته السياسية، قضية فلسطين ويربطها دوما بالواقع العربي فيتحدث تحت عنوان «القنابل الموقوتة في أرضنا» عن وقوف النخب العربية موقف المتفرج من قضايا العالم السياسية، والتي تبدو من وجهة نظره كقنابل موقوتة الجميع يترقب انفجارها دون تدخل.
ويضع عبد القدوس يده في قنبلته الثالثة التي تعد امتداد لسلسلة مقالات أخذت نفس الطابع على الجرح الفلسطيني وممارسات القادة العرب الخاطئة في هذه الملف والذين رفضوا إقامة دولة فلسطين في مقابل إسرائيل بحجة أنهم يرفضون فكرة التقسيم، وأنهم جعلوا فلسطين قطعتين أحدهما في الضفة تحت السيادة الأردنية، وأخرى في غزة تحت السيادة المصرية، ثم جردوا القطعتين من سيادتهما وتركوهم وحدهم في مواجهة المؤامرات التي تتكالب عليهما.
وفي مقاله «نحن نعيش حرب الأقنعة» يتطرق للانتقادات الرافضة لآرائه السياسية ويقول إنه يعبر غالبا عن رأي رجل الشارع، المتحرر من الارتباطات والمسؤوليات التي قد يتحملها المسؤول كما هو الحال مع رئيس الجمهورية.
تقليد التجارب
ويعيب عبد القدوس في مقالته «إننا نعيش من تجربة لتجربة» المنهج السياسي والاقتصادي المصري، فيقول إننا أصبحنا مقلدون نستعير التجارب السياسية مرة من الشرق، وأخرى من الغرب، ونقلدها ونحاول أن نلبس عباءة غيرنا دونا مراعاة ما تتطلبه ظروفنا الاجتماعية والثقافية.
ويحلل في مقال «كل احتمالات النجاح مرفوضة» مجريات الأمور في كامب ديفيد ومساعي السادات ومناحم بيجن، مفترضا أن هناك 5 افتراضات ربما تصل إليها المفاوضات بعضها يتعلق بإسرائيل وأخرى بمصر، إلا أنه ينتهى أن جميعها مرفوض، وكان يتوقع أن يفشل السادات في إتمام معاهدة السلام.
رفض عبد القدوس لكامب ديفيد كان من منطلق أن مصر لا تمثل القاهرة وحدها، ولكنها تمثل قوة العرب أجمعين، وأن الجبهات العربية الأخرى «سوريا والأردن ولبنان» يجب أن تكون حاضرة في الاتفاق لكي يعطوه شرعية وقوة أكبر.
وكان رئيس تحرير روز اليوسف السابق يرى أن السادات وبيجن قبلا باجتماعات كامب ديفيد مراضاة لكارتر، الذي وجه الدعوة لكليهما وتبني الفكرة، لذا كان يجزم بان هذه الجهود ستفشل، أو أن يتحقق ما لا أحد يمكن توقعه.
وكان عبد القدوس قارئا جيدا لأحداث التاريخ فكان دائما ما يربط في مقالاته بين الماضي والحاضر، فكان يربط بين حرب أكتوبر وثورة 1919، ومرة ثانية يحلل الفوارق بين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وبين الاحتلال الأوروبي القديم للبلدان العربية، وأن الأول أخذ وضع استعماري، بينما الإسرائيلي ينتهج منهج استيطاني، كما أنه كان يقارن بين أساليب المقاومة التي تتنوع بين المقاومة العسكرية أو كما يسميها هو المقاومة المتطرفة، أو المفاوضات أو ما يسميه المقاومة المعتدلة.
تعاطف مع اليهود
ورغم عداء عبد القدوس للاحتلال الإسرائيلي إلى أنه عندما تناول شخصية اليهودي المصري في أعماله بشكل إيجابي وجاء ذلك في خمسة أعمال أدبية له هي «كانت صعبة ومغرورة، ولا تتركوني هنا وحدي، بعيدا عن الأرض، أين صديقتي اليهودية، أضيئوا الأنوار حتى نخدع السمك، ولن أتكلم ولم أنسى».
ولهذا السبب اهتمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بأعمال عبد القدوس الأدبية وعرضت أعماله التي تحولت إلى أفلام سينمائية في وسائل الإعلام الإسرائيلية، كما أن بعض الناشرين الإسرائيليين ترجموا أعماله إلى العبرية، وهو ما اعتبره المثقفون المصريون وقتها سرقة وقلب للحقائق.