وعظ ديني على ضجيج المهرجانات.. رسائل هامة تحملها الأغاني الشعبية

وعظ ديني على ضجيج المهرجانات.. رسائل هامة تحملها الأغاني الشعبية

ما بين الاتهامات بإفساد الذوق العام، والرد بأنها لسان حال المهمشين، يبرز دور الأغنية الشعبية في مواجهة الظواهر الاجتماعية السلبية، فمرة تحارب المخدرات ومرات تعادى الجريمة وتحقر صاحبها، وتقدس كلماتها التي يتغنى بها المثقف قبل محدودي العلم، غدر الأصدقاء، وتعلي من قيمة التضحية، وتنادى بالتكاتف وعدم اتباع هوى النفس، حتى أنها في بعض الأشكال تتخذ شكلا دينيا تقليديا يحاول تخويف الناس من السير في دروب الشيطان.

بطاقة هوية

في تقديمه لكتاب «الأغنية الشعبية بين الدراسات الشرقية والغربية»، للدكتور مجدي محمد شمس الدين يقول الكاتب خيري شلبي، إن الأغنية الشعبية بطاقة هوية بالنسبة للشخصية الوطنية في أية أمة، وهي مرآة تنعكس فيها الملامح الطبيعية العامة لشخصية هذا الشعب أو ذاك.

وعلى عكس الانتقادات التي تطارد أغاني الحارات والأزقة، أو ما اصطلح على تسميتها بالأغاني الشعبية أو المهرجات، يكمل شلبي قوله: «للأغنية الشعبية سحر يكمن في أنها الأزقة الشعبية في الحواري والقرى، حاملة هذا الزخم المبهج حتى في الحزن.

إيقاع راقص

 رغم محاربة عدد كبير من الأغاني الشعبية للجريمة وتناول المخدرات، إلا أن غالبيتها يؤدى في بيئات تنتشر فيها هذه الأعمال، فعادة يتجمع بعض الفتيان سواء في الأفراح الشعبية، أو في جلساتهم الخاصة للرقص على صخب هذه الأغنيات التي تزم المخدرات ليرقصون وهم يحتسون أنواع مختلفة من المسكرات.

ويرجع الناقد الفني محمد شميس هذه الأفعال إلى أن أغاني المهرجانات والأغاني الشعبية، تؤدى في إيقاع راقص، وهو ما يصرف غالبية المتابعين عن التركيز في كلمات الأغاني، لكن تظل قيمة الكلمات موجودة.

ويشير في تصريحات لـ«شبابيك» أن الأغنية الشعبية حاضرة دوما في الأفراح سواء أقيمت هذه الأفراح في الشوارع أو حتى في الفنادق، فالجميع يرقص عليها.

 ويقول إن الأغنية الشعبية رغم هجوم عدد كبير من الفنانين التقليدين على أصحابها، واتهام مقدميها بإفساد الذوق العام، إلا أن غالبية هذه الأغنيات تتحدث عن قضايا المجتمع الذي تخرج فيه، كما يوجد أغاني كثيرة تحارب الجرائم وترفض تناول المخدرات.

الكيف الخبيث

في أغنية «الكيف» يقدم الفنان طارق الشيخ، مع فريق كايروكي نموذجا واضحا لما ستؤول إليه الأمور إذا تحول الشخص لمدن مخدرات، ويحاول الفريق مع الشيخ تحذير المستمعين من حتى محاولة تجربة تناول المخدرات، لأن «حباية جابت شريط» وستحول صاحبها لمدمن لا محالة.

أما المطرب الشعبي هوبا فنجده صريحًا رغم الإيقاع الراقص الذي يقدم به أغنيته «حجرين على الشيشة» أنه لن يفعل هذا الأمر مرة أخرى، لأنه بمجرد تناول المخدرات لم يستطع التفريق بين ما يشاهده، وأذهبت المخدرات عقله، وهو فعلا سلبيا مجتمعيًا.

أصدقاء السوء

 الأمر نفسه يقدمه محمود الحسيني في أغنيته «كوكااا كوكا» والتي تذهب لذم أصدقاء السوء الذين عادة ما يكونوا الطريق الأول والأسهل للإدمان، ولاقيت الأغنية انتشارا واسعا لا سيما بين أبناء الطبقات العشبية.

في كتابه المتخصص في الأغنيات يقول الدكتور مجدى محمد شمس الدين، إن الموسيقى لا تنفصل عن الأغنية بأي حال من الأحوال، وأن أهم ما يميز الموسيقى الشعبية أنها فطرية بسيطة ساذجة تخلو من التكلف والتصنع، وتصدر عن فطرة نقية ولا تخضع لقواعد وضوابط ثابتة دقيقة.

رصد لواقع

تشير عبارات الباحث المتخصص في الموسيقى إلى أن الموسيقى الشعبية راصدة لواقعة يعيشه قطاع كبير في المجتمع المصري، خصوصا الأحياء التي تغيب عنها العين الأمنية، والتي عادة ما تكون مقر لمروجي المخدرات وتجارها، وغيرها مثل السلاح ومسهلي الدعارة.

ويتفق معه الناقد الموسيقى محمد شميس في أن سبب انتشار الأغنية الشعبية بهذا الشكل هي أنها تعبر بشكل مباشر عن الطبقات الشعبية، فعادة المغني يكون في السابق سائق توك توك، يجالس الناس على المقاهي وعلى دراية كاملة بأحوالهم، لذا ينجذب الملايين للاستماع له، رغم بساطة المحتوى الذي يقدمه، بخلاف ما نجده في الأغنية الرومانسية أو ما يقدمه كبار نجوم الفن من أغنيات لا تناقش قضية.

وعظ على ضجيج المهرجان

في أغنيتهما «العب يالا» يتخذ الثنائي أوكا وأورتيجا منحيا مختلف تماما عن المفهوم المتعارف عليه للغناء، فدائما الرسائل تأتي في الأغنيات غير مباشرة، إلا أن هذه الأغنية بدأها الثنائي بتوضيح الهدف منها، وهو العودة لله، وعدم التسويف في التوبة التي يكون السبب الرئيسي فيها الشيطان.

يتقمص الثنائي في هذه الأغنية التي تعتبر من أبرز أغنيات المهرجات الراقصة، دور الواعظ الديني الذي يحذر من الشيطان الذي يقود العصاة لطريق المخدرات، ويمنعهم عن أداء الصلاة ولا يستجيبوا للأذان القادم من المساجد، لينهى الثنائي المهرجان بـ«عايز العلاج استعيذ بالله أفضل صلي لو غصب عنك خليك مقرب من ربك».

العبد والشيطان

الأمر نفسه يقدمه المطرب محمود الحسيني في أغنيته العبد والشيطان، التي يقدم فيها عرض تخيلي لحوار يدور بين عبد وشيطانه، ويبدأ بالاستغفار عما بدر منه في حق الله، ونسيانه الصلاء والفرائض، بفعل الشيطان الذي علم صاحبه الكذب، والقمار، وتتبع حرمات جيرانه.

تاريخ الأغنية الشعبية

مرت الأغنية الشعبية في مصر بثلاث منحدرات وعرة، تغيرت في كل منها ملامحها وطرق أدائها، وكلماتها، كما ترى الكاتبة ياسمين فراج في كتابها «الأغنية الشعبية في مصر» حيث تربط الباحثة بين الموسيقى الشعبية وأحوال مصر السياسية.

وتقسم الباحثة الأغنية الشعبية إلى قسم أنتج في الفترة من 23 يوليو 1952 إلى هزيمة 1967، والثاني كان معبرا عن فترة ما بعد هزيمة يونيو 1967 إلى انتصارات أكتوبر 1973 وما بعدها، أما الثالث وهو الموجود حاليا في مصر والذي ينتمي لما بعد ثورة 25 يناير 2011 .

عبدالغني دياب

عبدالغني دياب

صحفي مصري متخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية