«رجل فظيع.. فيلم فاجر.. أنت مجرم».. كيف ومتى تحولت الشتيمة إلى مدح؟

«رجل فظيع.. فيلم فاجر.. أنت مجرم».. كيف ومتى تحولت الشتيمة إلى مدح؟

حين تسمع الفتاة أحدًا يصفها قائلاً «انتي زي القمر» فهي في الأغلب تعتبر الأمر مدحًا رقيقًا، رغم أن القمر في حد ذاته ملئ بالصخور والحُفر، كما أن نوره ليس إلا انعكاسًا لضوء الشمس عليه.

يمكننا ببساطة أن نفهم وصف الفتاة هنا بمعنى جمال القمر في العموم، لكن كيف تتحول كلمات مثل «فظيع» و«فاجر» و«مجرم» و«كافر» إلى أوصاف للمدح برغم كل ما تحتويه من سوء وقُبح؟

علماء النفس والتراث الشعبي واللغة يجيبونك في هذا التقرير من «شبابيك».

الموقف هو الفصيل

يفرح الرجل إذا وصفته حبيبته بأنه «مجرم» وربما يتفاخر بهذا بينه وبين نفسه، والتفسير كما يراه أستاذ علم النفس طلعت حكيم يعود إلى الموقف الذي قيلت فيه الكلمة والهدف منها، فالرجل هنا «مجرم» بمعنى جريء أو رهيب والإجرام خير تعبير عن هذا الوصف.

حتى الأب حين يقول عن ابنته «بنت كلب» فهو يعني ببساطة أنها شقية، فالموقف فرض عليه هذا النوع من الحديث الذي يجده أفضل من كلمة «شقية» فقط، وفي دراسة نفسية هولندية ثبت أن الشتيمة أقوى في التعبير عن المشاعر من الكلام العادي.

شاطر في الأساس شتيمة

​​​​​​​

من الناحية التراثية، يشير أستاذ الأدب الشعبي خالد أبو الليل أن البلاغة في الحديث عن العرب تشمل استخدام الشتيمة للمدح، وهذا ما يُسمى في علوم اللغة «المدح بما يشبه الذم» فيستخدم القائل كلمات ذميمة أو شتيمة عند الإعجاب أو الفخر.

هذه الطريقة موجودة منذ القدم وانتقلت إلينا مع الوقت لما تسببه من فكاهة، ومن أشهر الكلمات الذميمة التي تُستخدم للمدح تأتي كلمة «شاطر» بمعنى متفوق ونابغة بينما هي تعني في الأصل «شطر عن الخير» أي منحرف وخبيث.​​​​​​​

في القرآن والسُنة

 

بعض آيات القرآن الكريم استخدمت هذا الأسلوب في المدح عن طريق الذم، وإن كانت الطريقة أكثر بلاغة وفصاحة من طريقة عصرنا الحالي، مثل الآية القائلة {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} [الِوَاقِعَة: 25- 26].

هنا تصف الآية الجنة بأنها ليس فيها أي لغو أو تأثيم بمعنى أنها خالية من الباطل والكذب، ويحسب السامع عند قوله تعالى «إلا» أن الآية ستذكر شيئًا سيئًا، فهذا يعتبر ذمًا ولكن البشرى تأتي «إلا قيلا سلامًا سلامًا» أي مدح آخر في سلام الجنة.

في حديث للنبي (ص) يقول «أنا أفصح العرب بيد أني من قريش» واستخدم فيه نفس الطريقة، حين يظن السامع بعد كلمة «بيد» التي تعني «لكن» أن الكلام التالي سيكون عكس الفصاحة، لكن النبي يزيد في إثبات فصاحته بأنه من قريش.

الأثر على المجتمع ​​​​​​​

 

هل طريقة المدح بالذم والشتيمة سلبية على المجتمع في المطلق؟ من الناحية النفسية الدكتور طلعت حكيم يرى أن تعود الأذن على القبيح من القول جعلت الناس يستخدمون الكمات شديدة القبح في المدح على العام وكأنه «تلوث سمعي».

يوافقه أستاذ التراث الشعبي خالد أبو الليل مشيرًا إلى انحطاط الأخلاق في المجتمع المصري عن الماضي، فقد كانت كلمة «عيب» عند المصريين أقوى من «حرام» مما جعل كل مواطن يعرف تأثير كلماته على الآخرين، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي سببت خروج الكلمات القبيحة إلى الشارع وانتشارها.

الفيصل الذي أجمع عليه الأستاذان هو أن المدح عن طريق الذم أسلوب بلاغي معروف ومحبب طالما استخدمه الإنسان في المكان والوقت المناسب ومع الشخص المناسب باللفظ الذي يقبله دون نشر الشتيمة في العموم وعلى الملأ.

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة