قصة شاب مصري قتل بطرس غالي باشا.. نهاية مؤلمة لقائد محاكمة دنشواي وعميل الإنجليز
مقدمات سياسية عديدة ساقت الشاب إبراهيم الورداني إلى اغتيال بطرس باشا غالي رئيس الوزراء عام 1910، ليكتب بذلك نهاية سياسي أثار جدلاً في الأوساط السياسية بسبب مواقفه الملتبسة. فتحي رضوان ذكر تفاصيل الواقعة في كتابه «نصف قرن من السياسة والأدب».
كان إبراهيم الورداني شاباً يبلغ من العمر 24 عاماً، درس الصيدلة، والتحق بالحزب الوطني بزعامة محمد فريد، «وكان نحيلاً قمحي اللون، تشوب وجهه سمرة مصرية، هادئ في الظاهر، شديد العصبية والحساسية في الباطن».
ولما دخل الورداني إلى غرفة النائب العام، لم ينكر فعلته، ولم يندم عليها، وأكد أنه نفذها دون شريك، ولا محرض، ولامعين إلا عقله وقلبه. ولكن ما هي الأسباب التي ساقته لذلك؟.
أربعة أسباب أنهت حياة بطرس غالي
لم تكن أسباب اغتيال بطرس غالي باشا دينية، أي لكونه مسيحياً يشغل رئاسة حكومة مصر بأغلبيتها المسلمة، وقبلها تولى نظارة الخارجية 13 عاما متصلة من 12 نوفمبر 1885 حتى 1908، ولما أبلغ الخديوي عباس حلمى الثانى المعتمد البريطاني في مصر «ألدن جوست» عن اختياره لـ«غالي» رئيساً للوزراء، سأله «جوست»: ألا يحصل انتقاد من الأهالي بتعيين قبطي رئيساً، فرد الخديوى: «إنه قبطي ولكنه مصري».
تقول الأحداث التي شهدتها تلك الفترة أن الحركة الوطنية كانت تقف في خصام مع رئيس الوزراء بسبب دوره المشين في أربع قضايا. الأولى، توقيعه اتفاقية اقتسام حكم السودان مع سلطات الاحتلال البريطاني في 19 يناير 1899.
أما القضية الثانية فكانت رئاسته لمحاكمة «دنشواي» يوم 23 نوفمبر 1906 والتي انتهت بإعدام أربعة من أهالي القرية، والأشغال الشاقة على 12 وجلدهم 50 جلدة، لاتهامهم بقتل ضابط بريطاني مات متأثراً بضربة شمس، أثناء قيام مجموعة من الجنود البريطانيين بصيد الحمام دخول حقول الفلاحين بقرية دنشواي،وهى القضية التى ألهبت المشاعر الوطنية ويحفظها التاريخ المصري بوصفها نموذجاً لقهر المصريين.
وتمثلت القضية الثالثة في إعداده لقانون المطبوعات يوم 25 مارس 1909، الذي وضع قيوداً على الأقلام والصحف المعارضة لسياسة عباس حلمى الثانى المهادنة للاحتلال.
وقد صدر أول قانون للمطبوعات في مصر في 26 نوفمبر 1881 في عهد الخديوي توفيق، لكن لم يتم العمل به حتى اشتد ساعد الحركة الوطنية خاصة بعد حادثة دنشواي وحالة الغضب التي اجتاحت الرأي العام المصري على المحاكمة، لذا طلب الإنجليز من حكومة بطرس غالي ضرورة عودة قانون المطبوعات مرة أخرى، فأصدر مجلس الوزراء في في 25 مارس 1909 قراراً بإعادة العمل بقانون المطبوعات بهدف مراقبة الصحف ومصادرتها وإغلاقها إذا اقتضى الأمر.
قناة السويس للإنجليز حتى 2008
أما القضية الرابعة، فهى موافقته على مشروع مد امتياز قناة السويس لبريطانيا 40 عاماً جديدة، وكان الامتياز المعمول به ينتهي في عام 1968، ومده يؤدى إلى استمراره حتى عام 2008.
وقد استطاع الزعيم محمد فريد الحصول على نسخة من مشروع القانون ونشرها في جريدة «اللواء»، لتبدأ حملة من الحركة الوطنية وعلى رأسها الحزب الوطني في تعبئة المصريين ضد هذا القانون، خاصة أن إعطاء الامتياز كان يعني أن تترك الشركة القناة للمصريين في سنة 2008.
وطالبت الحركة الوطنية وقتها بعرض مشروع هذا القانون على الجمعية العمومية لأخذ رأيها فيه، وكان معنى ذلك هو حشد الأمة المصرية ضد هذا القانون، ووافق الخديوي عباس حلمي على ذلك، وتم تحديد 10 فبراير 1910 لانعقاد الجمعية العمومية ومجلس شورى القوانين لمناقشة المشروع، فرفضت الجمعية العمومية المشروع.
كانت هذه القضايا الأربع كفيلة بوضع بطرس باشا غالي، في مواجهة الحركة الوطنية المصرية، ودفعت الورداني لاغتياله دون ندم، فأعد خطته للانتقام من رئيس الوزراء.
تنفيذ الاغتيال
بينما كانت الساعة الواحدة ظهرا يوم 20 فبراير 1910، خرج بطرس باشا غالى رئيس الوزراء من وزارة الخارجية، وبينما كان يهم بركوب سيارته، اقترب إبراهيم الورداني منه متظاهراً برفع عريضة يريد تقديمها له، لكن المفاجأة كانت فى رصاصتين أطلقهما الشاب عليه، وما كاد يلتفت حتى واصل الشاب إطلاق رصاصته، وكان مجموعها ست، لينتقل إلى المستشفى ثم يموت فيها بعد نحو 24 ساعة.