محمد حفني.. ما لا تعرفه عن الطبيب صانع قنابل ثورة 1919
في مسيرة ثورة 1919 أبطال مجهولون لا يعرفهم كثيرون رغم أنهم وضعوا أرواحهم على أيديهم في تلك الفترة من أجل استقلال الوطن، ومن هؤلاء الدكتور محمد حفني والذي كان طالباً بمدرسة الطب أثناء عضويته بالجهاز السري للثورة، إذ لعب دوراً كبيرا في صنع القنابل، والتدريب على إلقائها، واستخدامها في حوادث الاغتيالات.
وقد روى حفني في مذكراته التي كتبها بخط يده ونشرها مصطفى أمين في كتابه «الكتاب الممنوع.. أسرار ثورة 1919» كيف انضم إلى الجهاز السري، وكيف كان يقوم بصنع القنابل والتدريب على إلقائها واستخدامها.. وينشر «شبابيك» جزءً من هذه المذكرات كما جاءت على لسان صاحبها.
البرتقال بدل القنابل في ثورة 19
في صيف عام 1919 اتصل حسن كامل الشيشيني المدرس بمدرسة المعلمين العليا، بمحمد حفني وكان طالباً بالسنة الثالثة في مدرسة الطب، وقال: «إنني أشعر أنني أستطيع الثقة بك.. إننا الآن نعمل في الثورة بواسطة القنابل، لا المظاهرات والمنشورات».
«التحقت بالجهاز السري للثورة وكنت أدرّب أعضائه على إلقاء القنابل، وكنت أبدأ بتدريبهم على قيادة الموتوسيكلات، وكان البرتقال يٌستعمل بدل القنابل.. وكان التمرين يجري في المنيل، قبل إقامة العمارات الكثيرة على النيل، وكانت الطريقة أن نحدد هدفاً سواء ثابتاً أو متحركاً، ثم نلقي البرتقالة على الهدف».
كيف كان جنود ثورة 19 يصنعون القنابل؟
بعد ذلك سلم لي الشيشيني قنابل «ميلز» الإنجليزية، وأجريت عليها تجربة في صحراء حلوان، وتبينت أنها ضعيفة، وأخبرته بذلك، فجاءني بمشروع قنبلة جديدة، وهي عبارة عن علبة من الصلب تُقفل بقلاووظ، وأحضر لي بودرة الديناميت المخلوط، ثم أحضر لي زجاجة بها حامض كبريتيك مركز.
توليت صنع القنبلة، فصنعت عند سمكري في (الناصرية) قاعدة من الزنك، وأحضرنا كمية من الحديد، وقطعناها أجزاء لتكون شظايا للقنابل، ووضعنا قاعدة الشمعة في قاع العلبة وحولها بودرة الديناميت المخلوط، ثم وضعنا الزجاجة التي فيها حامض الكبريتيك المركز في قاعدة الشمعة لتظل واقفة لا تميل، وخلطنا قطع الحديد بالمادة المفرقعة، ثم أقفلنا القنبلة، وبدأنا تجربة هذه القنبلة الجديدة.
صحبت الدكتور أحمد ماهر في التجربة الأولى، فركبنا قطارا من محطة الجيزة إلى قرية المتانيا بالعياط وعبرنا النيل، وفي مكان يشبه التل وضعت القنبلة في «كوز» وقمت بإجراء التجربة بعد أن وقفنا بعيدا، ونجحت التجربة نجاحا باهرا بعد أن دمر الانفجار المكان كاملا.
بعد ذلك جاءني الشيشيني وقال لي: «إن قيادة الجهاز السري قررت أن نبدأ بالتنفيذ في رئيس الوزراء يوسف وهبة باشا»، وكان عريان سعد عضوا معي في الجهاز، وتقرر اختيار عريان لهذه العملية بناء على تطوعه وتصميمه أن يقتل قبطي رئيس الوزراء القبطي.
وبدأنا تدريب عريان بالبرتقال، ثم جاء الشيشيني بالتحركات الكاملة لرئيس الوزراء، وشكل سيارته المقفلة، ورسمنا الخطة (لم يمت وهبة في هذه المحاولة).
عبد اللطيف الصوفاني.. مموّل القنابل
وبعد ذلك عرفني الشيشيني بعضو في الجهاز السري يُدعى عبد اللطيف الصوفاني الذي كان بمثابة الملهم الروحي لي، وفهمت أنه يشترك في عملية التمويل، وكان يعطيني المبالغ اللازمة للتحركات، وكان مجموع المبالغ التي أخذتها منه 15 جنيها مرة، وعشرة جنيهات في مرة أخرى، وكنا تلاميذ لا نستطيع دفع هذه المبالغ من مصروفاتنا الشخصية.
ثم اتصل بي الشيشيني وأبلغني أن الجهاز السري قرر اغتيال حسين سري باشا وزير الأشغال، ورشحنا لهذه العملية الدكتور نديم باشا الذي أصبح فيما بعد رئيسا للقسم الطبي في الجيش المصري، وكان يومها طالبا معي في السنة الثالثة بمدرسة الطب، ومعه حسن توفيق التلميذ في المدارس الثانوية، وقمت بتمرين نديم الذي ألقى القنبلة على سيارة الوزير في المنيرة.
انفجرت القنبلة في السيارة، وأصيب حسن توفيق بشظية، ثم بدأت الشبهات تحوم حولي، وكانت تعليمات الجهاز السري أنه في حالة قيام شبهات حول أحد أعضاء الجهاز، فيجب أن يختفي من مصر كلية.
الهروب من مصر
وحدث أن جاءت شهادة المدرسة بنجاحي من السنة الثالثة إلى الرابعة بمدرسة الطب، وبعد أيام جاء خطاب بفصلي نهائيا من المدرسة، وبالبحث ظهر أن اسمي في القائمة السوداء.
وبناء على ذلك بدأت ترتيب عملية الهرب، وكان من الصعب أن أحصل على جواز سفر بالطريقة العادية، ولكن الدكتور علي إبراهيم باشا الجراح (وكان أستاذي في الجراحة) استطاع أن يحصل على جواز لي، فقد كان له صديق في الجوازات وانتهز فرصة غياب المدير الإنجليزي بالإجازة وحصل على جواز باسمي.
خرجت من مصر في مارس سنة 1920، حيث أتممت دراسة الطب في جامعة فريدريك ويلهلم ببرلين، وحصلت على الدكتوراه في ديسمبر سنة 1923، وقبل سفري سلمني حسن كامل الشيشيني توصية من أحد أعضاء الجهاز السري إلى الدكتور كورت باولج في فيينا، وقال الشيشيني إنه تقرر أن أدرس المفرقعات في فيينا عن طريق هذا الشخص. لكني سافرت إليه فلم أجده.