مدينة عفرين التي يتركز فيها أكراد سوريا
سعوا للحصول على استقلال ذاتي والفرنسيون حاولوا استمالتهم.. ما لا تعرفه عن أكراد سوريا
محطات تاريخية عديدة مر بها أكراد سوريا، بعد أن مزقتهم المتغيرات السياسية والصفقات بين الدول الكبرى وباتوا جزءً من دول مجاورة.. الدكتور حامد محمود عيسى على، تناول جوانب هذا الموضوع في كتابه «المشكلة الكردية في الشرق الأوسط».
أماكن تمركز الأكراد في سوريا
يتمركز الأكراد في سوريا في المنطقة الواقعة على الحدود السورية العراقية التركية، حيث يقطنون الجزيرة العليا وإقليم دجلة ومدينة القامشلي في لواء الخابور وولاية الحسكة، كما يتواجدون في ولاية حلب حيث توجد جبال الأكراد، وتعد مدينة عفرين مركز الأكراد هناك.
كما يتواجدون في المدن العربية الكبرى مثل دمشق، فهناك حي خاص بهم هو حي الشالحية والذي يحوي أكثر من ثلاثين ألفاً من السكان الأكراد.
وقد ازداد عدد الأكراد في سوريا نتيجة للهجرات المستمرة الناتجة عن أعمال القمع في تركيا، وأدت هذه الهجرات إلى انتعاش مدن الحسكة والقامشلي خاصة بعد اندحار حركة الشيخ سعيد بيران في تركيا سنة 1925 والحركات التي تلتها.
وبالرغم من أكراد سوريا يتركزون في أرض الجزيرة بصفة أساسية، إلا أن المستعمرة الكردية في دمشق تحتل حياً خاصاً بها وهو مركز الوطنيين النشط خلال السنوات العجاف على مر التاريخ.
معلومات عن الأكراد.. ولهذا السبب تفرقوا بين الدول
فلاحون وبدو
والأكراد في سوريا فلاحون مرتبطون بالأرض ويتمركزون في عدة قرى، وهم بذلك على عكس العرب الذين مازالت عادات الترحال متأصلة فيهم، ومنهم قبيلة شمر بالجزيرة التي تنتمي إلى شمر الكبير بالعراق.
وبوجه عام، يشكل الأكراد في سوريا ثلاث مجموعات، مستقرون، ونصف بدو، وبدو، وقد استمر البدو أقوياء بسبب عدم تفرقهم عند هجرتهم من تركيا.
وأكراد سوريا بتنظيمهم القبلي ينتسبون إلى البرازي والمللي، ومعظمهم ليس له تبعية سياسية فلا يعرف إلا قبيلته. ولم تختلف أوضاعهم سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية عن أوضاع سائر الأكراد في البلدان الأخرى.
تسويات دولية
وقبيل الحرب العالمية الثانية وبعدها كان لأكراد سوريا مطبوعاتهم باللغة الكردية، غير أن تغييرات عديدة طرأت على أوضاعهم في السنوات التي أعقبت الحرب.
وبطبيعة الحال، لم يطرأ على أحوال الشعب الكردي أي تحسن جذري ولكن حقوقه القومية كانت تتحسن.
والمعروف أن سوريا وُضعت بعد الحرب العالمية الأولى تحت الانتداب الفرنسي، فدخلت القوات الفرنسية سوريا لتحل محل القوات البريطانية نتيجة للتسويات التي عُقدت بين الدولتين في أعقاب الحرب.
وبناء على ذلك، تم تحديد الحدود السورية التركية بين فرنسا من جانب وتركيا من جانب آخر تطبيقاً لاتفاق أنقرة لتوطيد السلام بين الدولتين والذي وقع في 20 أكتوبر سنة 1921، حيث نصت المادة الأولى على انتهاء حالة الحرب بين الدولتين، ونصت المادة الثالثة على تحديد الحدود بين الفرنسيين في سوريا وتركيا، وكان من نتيجة تحديد هذه الحدود أن فُصمت عُرى سكان الجزيرة الأكراد عن بقية أجزاء كردستان.
ألاعيب فرنسا واستخدام الأكراد
وكان الفرنسيون ينظرون إلى الأكراد على أنهم أقلية مفيدة لحفظ التوازن مع باقي الأقليات، وشجعوهم في فترات متفاوتة على إمكان إنشاء كردستان مستقلة، ورغم أن الأكراد سُمح لهم بإنشاء منظمات سياسية إلا أن الحرية التي تمتعوا بها نسبياً كانت جزئية فلم يُسمح لهم بحمل السلاح.
ولكن فرنسا لم تنجح في هذا المجال فالمسلمون والأكراد والعرب لم يكونوا مخلصين لفرنسا تماماً لذلك لم تستطع استغلالهم، ولذلك وجهت وجهها شطر المسيحيين وجعلت منهم الطعم الذي يمكن رميه في أية لحظة لعرقلة الحياة العادية في الجزيرة، وكان المسلمون متفقين على دعم الحكم المركزي ولم يحاربهم الأكراد في ذلك بسبب ميولهم القومية.
وبصفة عامة، كانت السياسية الفرنسية تحرص في أحيان كثيرة على تشجيع الأقليات الكردية للضغط على الحركة الوطنية العربية، ولكن الأكراد لم ينالوا تأييداً مماثلاً لتأييد فرنسا للأقليات المسيحية أو الدرزية، فلم تعط فرنسا استقلالاً داخلياً للأكراد بالدرجة التي أعطتها لجبل الدروز، ولم تشأ تقوية الأكراد على حساب العناصر غير الإسلامية التي كانت تعيش بين ظهرانيهم كالأرمن وغيرهم، ويضاف إلى ذلك حرصها على علاقاتها بالدول المجاورة خاصة تركيا التي بها جماعات كردية.
حركات الأكراد التحررية
شارك الأكراد السوريون في الحركات التحررية التي نشبت في الأجزاء الأخرى من كردستان واتسمت بالطابع الثوري، فشكلوا قوات كردية وأرسلوها عبر الحدود إلى كل من تركيا والعراق خاصة أثناء ثورة الشيخ سعيد بيران في تركيا سنة 1925، كما شاركوا في الحركات العسكرية التي تلت حركة الشيخ سعيد خاصة حركة إحسان نوري 1927/1930.
وفي سنة 1928 طلب الرؤساء الأكراد من السلطات السورية الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية في المناطق الكردية السورية، وما يترتب على ذلك من أن تصبح لغة المواطنين في معاملاتهم.
وفي سنة 1930 بدأ المتعلمون الأكراد يعملون على تنمية الشعور القومي الكردي من خلال تنظيم حزب خوئييون، فأصدروا نشرات باللغة الكردية. وبعد توقيع الاتفاقية الفرنسية السورية سنة 1936 طلب العديد من الأكراد في الجزيرة أن يُعطوا مزيداً من الوظائف الحكومية، وأن يكون الإقليم مستقلاً ذاتياً عن الدولة السورية.. وقد اتسمت هذه المطالب بالعنف فقد ثاروا سنة 1937 بسبب تعيين بعض العرب في الوظائف الهامة في الجزيرة.
وعلى مستوى علاقة الأكراد بالتنظيمات السياسية.. انضم كثير من الأكراد إلى الحزب الشيوعي السوري بقيادة خالد بكداش الذي كان كردياً، حيث ولد وتربى في دمشق والتف حوله كثير من الوطنيين المثقفين الأكراد وانتخب في البرلمان السوري سنة 1954.
كما انضم معظم أكراد سوريا إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني (السوري) بعد أن تأسس سنة 1958 على يد الدكتور نور الدين الزازا، وكان حزباً سرياً يهدف إلى الحصول على الاستقلال الذاتي في نطاق الدولة السورية.