حين تدخلت الكنيسة المصرية لدى إمبراطور إثيوبيا لحل مشكلة مياه النيل قبل ألف عام

حين تدخلت الكنيسة المصرية لدى إمبراطور إثيوبيا لحل مشكلة مياه النيل قبل ألف عام

لم يسر نهر النيل بجريانه المعتاد دائماً، ففي فترات مختلفة من التاريخ تعرضت مياهه للنقصان لأسباب متباينة، أبرزها ما حدث في عهد الخليفة الفاطمي المستعلي بالله (1074- 1101) والذي طلب من الأنبا ميخائيل الثاني بابا الكنيسة المصرية وقتها التدخل لحل هذه المشكلة.

بحسب إيزيس حبيب المصري في الجزء الثالث من كتابها «قصة الكنيسة المصرية»، جاء الفيضان منخفضاً في عهد المستعلي تاسع الخلفاء الفاطميين إلى حد أزعج المصريين، وكان هذا الخليفة يعرف أن النيل يصل إلى مصر من بلاد الحبشة وأن الأحباش يدينون بالولاء للكرسي المرقسي في مصر، فأرسل مندوباً من عنده إلى البابا ميخائيل الثاني يطلب منه الذهاب إلى بلاد الحبشة ليقابل ملكها ويتفاوض معه على الوسائل الممكن اتخاذها لكي تعلو مياه النيل.

وبعث الخليفة مع منودبه بهدية ثمينة ليحملها البابا إلى العاهل الحبشي. وقتها فرح الأنبا ميخائل فرحاً عظيماً حين ائتمنه المستعلي على هذه المهمة لأنه أدرك أنها خدمة وطنية، فقبل مطلب الخليفة وسافر على الفور.

استجابة فورية

وما إن اقترب البطريرك من مشارف الحبشة حتى خرج الإمبراطور ورجاله إلى استقباله هو ومن معه بكل مظاهر الاحترام.

وحين علم الإمبراطور بالسبب الذي حدا بضيفه أن يحضر إلى بلاده، أمر رجاله بأن ينظفوا مجرى النيل من كل الأعشاب النامية فيه والتي قد تعيق انسيابه بقوة، فأدى ذلك إلى ارتفاع منسوب النيل ثلاث أذرع في ليلة واحدة.

بقي الأنبا ميخائيل الثاني في الحبشة عدة أسابيع، نجح خلالها في أن يقيم علاقات المودة بين ملك تلك البلاد وبين الخليفة المستعلي، ومن ثم توثقت الصلة بين الدوليتن.

وكان الأنبا ميخائيل الثاني أول من سافر إلى الأقطار الحبشية من باباوات الإسكندرية، رغم أن الصلة الروحية ربطت بين البلدين منذ عهد البابا أثناسيوس الرسولي البطريرك العشرين في تاريخ الكنيسة المصرية، أي أنه كان قد انقضى على تلك الصلة ما يزيد على سبعة قرون ونصف تعاقب خلالها سبعة وستون خليفة لمارمرقس الرسول.

مطران جديد

ولم تمض مدة وجيزة على عودة الأنبا ميخائيل الثاني إلى مصر حتى وفد رسول من بلاد الحبشة يحمل خطاباً إلى الوزير الأفضل بن بدر الدين الجمالي، يتضمن رجاءً إلى البابا الإسكندري برسامة مطران جديد لتلك البلاد بعد وفاة مطرانها.

فبعث الأفضل برسالة إلى البابا يطلب فيها أن يسارع إلى رسامة مطران الجديد في أقرب فرصة بحيث يستطيع المطران الجديد أن يسافر إلى الحبشة مع الرسول الملكي عند عودته إلى وطنه، فلبى الأنبا ميخائل الرابع المطلب، وبادر برسامة راهب اسمه جرجس من نُساك دير الأنبا مكاري الكبير.

غير أن هذا المطران الجديد أثبت أنه غير جدير بهذه الدرجة الدينية وارتكب عدة مخالفات، فقبض عليه الملك الحبشي وأعاده إلى القاهرة في حراسة جنده.

ولما عرف البابا حقيقة ما جرى، جمع مجمعاً جرّد فيه المطران من درجته وأنزله إلى رتبة راهب بسيط، كما اعتقله الأفضل عدة سنوات سمح له بعدها بالعودة إلى ديره حيث قضى بقية أيامه.

وبعد إصدار الحكم المجمعي بتجريد جرجس، سعى البابا إلى اختيار راهب فاضل وانتقاه هذه المرة بهدوء وغير تسرع، فنجح في رسامة مطران جديد مدرك لأهمية المنصب الذي ناله والمسئوليات الجسام الملقاه على عاق من بلغ هذه المرتبة الكهنوتية العظمى.

المصدر

  • كتاب «قصة الكنيسة المصرية. الجزء الثالث». إيزيس حبيب المصري.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية