رئيس التحرير أحمد متولي
 هل خطط سعد زغلول للانقلاب على السلطان فؤاد وتولي عرش مصر؟

هل خطط سعد زغلول للانقلاب على السلطان فؤاد وتولي عرش مصر؟

في تاريخ مصر صفحات كثيرة منسية لا يعرف كثيرون شيئاً عنها، رغم دورها المحوري في تغيير كثير من الأحداث. من تلك الصفحات ما يتعلق بالزعيم الراحل سعد زغلول وما إذا كان قد عُرض عليه الانقلاب على الملك فؤاد الأول وتولي عرش مصر بدلاً منه أم لا؟.

قد يبدو السؤال غريباً، لكن هذا ما أشار إليه الكاتب الراحل مصطفى أمين وأجاب عنه بالتفصيل في كتابه «الكتاب الممنوع. أسرار ثورة 1919». 

مفاجأة صادمة

في أواخر شهر ديسمبر سنة 1931 زار مستر لويد جورج رئيس الوزارة البريطانية السابق مدينة القاهرة، وفي يوم 27 من نفس الشهر أقام عبد الفتاح يحيى باشا وزير الخارجية مأدبة غذاء كبرى في فندق هليوبوليس بالاس لتكريم الضيف الكبير، وحضر المأدبة سير برسي لورين المندوب السامي البريطاني، والوزراء، وكبار رجال قصر الملك فؤاد، وكبار رجال دار المندوب السامي البريطاني.

وفي أثناء الغذاء تبسط لويد جورج في الحديث، والتفت إلى الوزراء وقال لهم: «إن عندي سراً كبيراً عن مصر لا تعرفونه! لقد كنت رئيس وزراء بريطانيا أثناء ثورة مصر (يقصد ثورة 1919)، وذات يوم جاءني لورد كيرزون وزير الخارجية ومعه مجموعة برقيات من لورد اللنبي المندوب السامي البريطاني في القاهرة، وإذا بلورد اللنبي يقول إن سعد زغلول يريد أن يقوم بانقلاب في مصر كانقلاب عرابي باشا، وبعد ذلك جاء تلغراف بأن ثورة دموية هائلة ستحدث إذا بقى سعد زغلول في مصر، وأن هذه الثورة ستنتهي في خلال 24 ساعة إذا نفيناه من مصر، ووافقنا على نفيه إلى جزيرة سيلان، وقد كنت أظن أنها جزيرة تشبه جهنم إلى أن زرتها قبل أن أحضر إلى القاهرة ووجدت أنها جميلة جداً».

ويضيف «ما كدنا نوافق على نفي سعد زغلول حتى جاءت البرقيات المتتابعة: كل يوم يُقتل الإنجليز في القاهرة نهاراً ولا يُعثر على القتلة!.. وخشيت أن يثور الرأي العام البريطاني بعد أن كذبت نبوءة لورد اللنبي بانتهاء الثورة بعد 24 ساعة من نفي سعد زغلول».

وتابع «رأيت أن أطفئ ثورة مصر بطريقة حاسمة – كما استطعت في تلك الأيام نفسها أن أطفئ ثورة أيرلندا بعمل اتفاق مع زعماء الثورة – فوضعنا خطة بأن نرسل أحد ضباط المخابرات الذين يجيدون العربية إلى عدن، بعد أن نعطيه تعليمات بأن يعرض على سعد زغلول أن يكون ملكاً على مصر، على أن يقبل بقاء الحماية البريطانية، ويقبل فصل السودان عن مصر».

وقال «أبرقنا إلى حاكم عدن بأن يبقى سعد زغلول معتقلاً عنده، ولا يرسله إلى سيلان إلى أن يصل ضابط المخابرات من لندن إلى عدن ومعه التعليمات اللازمة».

واستكمل لويد جورج «ذهب ضابط المخابرات إلى عدن واجتمع بسعد زغلول وعرض عليه أن يتولى عرش مصر، ورفض سعد زغلول، وأبرق الضابط بنتيجة مسعاه، وعندما علمت بذلك أمرت بأن ينقل سعد زغلول فوراً إلى سيلان، بل إلى جزيرة أسوأ منها في المحيط الهندي هي جزيرة سيشل، وقد اخترتها لأن أحد أصدقائي مات فيها».

ثم ضحك لويد جورج وقال «وأنا مندهش لأنني لا أرى تمثالاً لزغلول هنا.. لولاه لما كنتم هنا أيها السادة».

خصوم سعد

نزل هذا الكلام كالصاعقة على الوزراء الموجودين، وكبار رجال قصر الملك فؤاد، وأراد المندوب السامي سير برسي لورين أن ينقذ الموقف، فهمس في أذن لويد جورج بأن هؤلاء خصوم سعد زغلول، وأنهم هم الذين رفضوا أن يقيموا له تمثالاً.

وضحك لويد جورج، وأراد أن يتنصل من الحرج، فقال: «على كل حال لو قبل سعد زغلول لما كان هناك أي خطر عليكم! فقد حدث في ديسمبر سنة 1921 – قبل حكاية زغلول بثلاثة أشهر – أن وقعت اتفاقاً مشابهاً مع زعماء ثورة أيرلندا الأربعة، وإذا بواحد منهم يدس له الناس السم فيموت، والثاني يضطر إلى الهرب إلى روما، والثالث يقتله الشعب رمياً بالرصاص، والرابع يقتله أنصاره بمدفع رشاش».

 

ويومها لم يستطع واحد من الوزراء وكبار رجال القصر الحاضرين أن يضحك من النكتة، فقد كان معنى ذلك أن يشنقه الملك فؤاد.

وكانت هذه التصريحات يومها مذهلة، وقال الوزراء وكبار رجال القصر في تبريرها إن مستر لويد جورج شرب قبل الغذاء وأثناءه كمية كبيرة من الخمر، وإنه كان مخموراً وهو يتكلم، وإن الذي قاله كلام فارغ.

 

لويد جورج

آخر ساعة

وبعد وفاة الملك فؤاد، خرجت مجلة «آخر ساعة» في يوم 14 يونيو سنة 1936، وألقت القنبلة، فكتبت تقول بالحرف الواحد «هناك صفحة من تاريخ مصر الحديث ضائعة، أو حلقة مفقودة في التاريخ السري للثورة المصرية الأخيرة، ولا نعرف هل آن أوان نشر هذه الصفحة أم لا، ولا نعرف كيف ستقابل هذه المعلومات من حضرات الزعماء ومن رجال السراي. ولكنها خدمة نقدمها لأولادنا الذين سيكتبون غداً تاريخ مصر كما يجب أن يكون!».

وقالت المجلة «السؤال هو هل عُرض عرش مصر على سعد زغلول؟»، والجواب «نعم».. وهناك شهود أحياء ووثائق تاريخية لهذا العرض الذي تم في عام 1922، فعندما نفت السلطة العسكرية سعداً إلى سيشل، تقدم إليه في مدينة عدن مندوب رسمي من حاكم عدن، وطلب مقابلته مقابلة خاصة.

وكان مندوب الحاكم العام قد أبلغ سعد زغلول أن الحكومة البريطانية تعرض عليه أن يختار لنفسه أمراً من اثنين: أن يصر على الاشتغال بقضية الاستقلال، وسوف تكون نتيجة هذا الإصرار نفيه إلى سيشل  ليبقى بها مدى حياته (وذكر له المندوب مدى الأهوال التي سيصادفها)، أو أن تنصبه الحكومة البريطانية سلطاناً على مصر تحت الحماية البريطانية، وتضمن له استقلالاً ذاتياً في حدود هذه الحماية.

وأجاب سعد زغلول بلا تردد: «إنني أفضل ان أكون خادماً في بلادي المستقلة، على أن أكون سلطاناً في بلادي المحتلة». وقد دوّن سعد هذه المقابلة في مذكراته بالتفصيل.

 

   

المصدر

  • كتاب «الكتاب الممنوع . أسرار ثورة 1919». مصطفى أمين.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية