الفارابي في سطور.. أجاد اللغات ومزج بين الشريعة والفلسفة والموسيقى
يعد أبو نصر محمد الفارابي أحد أهم الفلاسفة الذين أسهموا بفكرهم في تيار الفلسفة الإسلامية، فكانت له أطروحاته التي كانت وما تزال محل نقاش وبحث على مر العصور. الدكتور كمال اليازجي استعرض ملامح من فكر الفارابي في كتابه «معالم الفكر العربي».
نشأة وتكوين الفارابي
أبو نصر الفارابي (874 - 950) فيلسوف فارسي الأصل، تركي الموطن، نشأ في فاراب بإقليم تركستان (كازاخستان حالياً)، وحمله طموحه العلمي إلى بغداد عاصمة السياسة والعلم آنذاك، وهناك تسنى له الاتصال بمشاهير العلماء، فدرس الفلسفة على يد أبي بشر متىّ بن يونس، وتمرس في المنطق على يد يوحنا بن حيلان، وكلاهما من علماء ذلك العصر البارزين.
تبحّر الفارابي في سائر العلوم، فحصّل الطب والكيمياء والرياضيات، ونبغ في الموسيقى، وكان يحسن عدة لغات، يجيد منها – غير العربية – التركية والفارسية، ويلم بالسريانية واليونانية. وكان يحيى بن عدي المترجم الشهير من تلاميذه، فاستعان به للوقوف على دقائق الفلسفة اليونانية.
مكانة الفارابي الفلسفية
ترك الفارابي بغداد وتوجه إلى حلب، وقصد بلاط سيف الدولة الحمداني، فبلغ فيه قمة شهرته. وكان سيف الدولة يعقد مجالس الأدب، فكان الفارابي منها في الصدر، واشترك في المناظرات والمناقشات على اختلاف مواضيعها.
وقد صحب سيف الدولة إلى دمشق، ثم تخلى عنه وآثر البقاء فيها، وسلك هناك سبيل الزهاد المتقشفين حتى وافاه القدر.
ترك الفارابي مؤلفات تشهد له بسعة العلم، وطول الباع، وقوة الاستنباط، جلها رسائل صغيرة، لكنها كبيرة القيمة عظيمة الفائدة، بينها «مبادئ الفلسفة القديمة»، و«الجمع بين رأيي الحكميين أفلاطون وأرسطو»، و«إحصاء العلوم»، و«تحصيل السعادة»، وأهمها «آراء أهل المدينة الفاضلة».
كان من أهم ما عني به الفارابي في الفلسفة، الجمع بين المبادئ الفلسفية والأصول الدينية في نظام فلسفي موحد، وقام بهذه المحاولة على مرحلتين، عالج في الأولى المذاهب الفلسفية اليونانية، فقرر إن خير ما فيها قد انتهى أمره إلى أفلاطون وأرسطو، فهما – إذن – متفقان في الجوهر، وجمع في الثانية بين الفلسفة والشريعة ووحد بينهما في الغاية والقصد على تباينهما في الوسائل والتفاصيل.
اعتقد الفارابي أن الفلسفة – بأصولها وفروعها – قد انتهت إلى أفلاطون وأرسطو، فغربلا مذاهبها وأصلحا عيوبها، وتمما نواقصها، فاستقامت لهما كاملة خالصة من العيوب.
ولئن كان أرسطو قد تابع أفلاطون بأمور عديدة، فإنه خالفه باعتبارات جوهرية كثيرة، لكن من دواعي العجب أن يتصدى الفارابي للتوفيق بينهما.
الجمع بين الشريعة والفلسفة
على كلٍ، انتهت المذاهب الفلسفية عند الفارابي إلى نظام مشبع بالنزعة الروحية، فجمع بين الفلسفة والشريعة، فأقام رأيه في اتفاقهما على أساسين. الأول وحدة المصدر، فبيّن أن مردّ الشريعة إلى الوحي، والوحي من الله، ومردّ الفلسفة إلى الطبيعة، والطبيعة من صنع الله.
أما الأساس الثاني فهو وحدة الواسطة، إذ أن النبي والفيلسوف يستمدان العلم من الله، يتلقاه النبي عن طريق جبريل، ويستمده الفيلسوف من العقل الفعّال، ومن ثم فإن الموضوعين يتفقان جوهراً، وإن تباينا أسلوباً وشكلاً.
أما الفارق بين الشريعة والفلسفة فمرده إلى أمرين: الأول كيفية حصول العلم، والثاني كيفية أداء العلم. فالنبي يتلقى الحقائق متجلية بصورها وأشكالها وأشخاصها، فتبدو له كأنها ماثلة في عالم الحس، على حين يستخرجها الفيلسوف من قرائنها بالاستقراء والاستنتاج، فتجيئه مجردة خالصة من ملابسات المادة.
وأرجع الفارابي ذلك إلى أن رسالة النبي موجهة إلى جميع الناس، فينبغي أن تكون في متناول الخاصة منهم والعامة، لكن علم الفيلسوف مقصور على أعلامهم وأفذاذهم. وجزم الفارابي بأنه بالتأويل الصحيح والإدراك البعيد، تنتظم الشريعة إلى جانب الفلسفة وتُصهران في وحدة تامة.
ماهية النفس عند الفارابي
وإذا كانت قضايا فلسفية كثيرة استأثرت باهتمام الفارابي، فقد حظيت ماهية النفس بقدر كبير من بحثه، فذكر أنها جوهر يفيض على الجسد من الله، عند استعداد الجسد لقبوله. أما القوة المدركة فيه فتكون أولاً عقولاً هيولانياً، فإذا تنبهت من غفلتها، واستجابت للمؤثرات، غدت عقلاً بالمَلكة، ومتى أشرق عليها العقل الفعّال، صارت عقلاً مستفاداً، قادراً على إدراك المجردات واستنباط المبادئ. والنفس حرة بأنه تدرك الحق إما عن طريق التجريد بالاستقراء الذاتي، أو عن طريق الإيمان بالمعرفة الدينية.
أما بعد مفارقة الجسد، فإذا كانت النفس عالمة فاضلة خلدت في النعيم، وإذا كانت عالمة شريرة خلدت في شقاء أبدي. ذلك أنها إذا كانت عالمة فاضلة أكسبها ذلك شعوراً مستمراً بالسعادة، وإذا كانت عالمة شريرة أفضى بها ذلك إلى شعور حاد بالتعاسة والشقاء. أما النفوس الجاهلة، فرأيه في مصيرها غير واضح على أنه ذكر في كلامه عن أهل المدن الجاهلية، أن نفوسهم تبيد كنفوس الأنعام.
وهنا كما في مواطن عديدة أخرى، يجمع الفارابي ويوفق بين الشريعة والفلسفة، فقد جعل النفس جوهراً حادثاً، واعتبر في تقرير مصيرها عنصري العلم والعمل، ووصف الحياة الأخرى وصفاً روحانياً، ورتب لها الشقاء الأبدي في عالم الخلود في مقابل النعيم المقيم.
بحث الفارابي في الفيزياء والموسيقى
وبجانب الفلسفة، كان للفارابي أبحاثه في الفيزياء وله فيها مؤلف قصير بعنوان «الخلاء» ناقش فيه ماهية الفراغ.
وحظيت الموسيقى بحيز من اهتمام الفارابي فألّف كتابًا عن الموسيقى بعنوان «كتاب الموسيقى الكبير»، شرح فيه المبادئ الفلسفية المتعلقة بالموسيقى، وخواصها العامة، وتأثيرها.
أهم مؤلفات الفارابي
إحصاء العلوم وترتيبها والتعريف بأغراضها
-
المقالات الرفيعة في أصول علم الطبيعة
-
آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها
-
المدخل إلى الهندسة الوهمية
-
كتاب الموسيقى الكبير
-
تحصيل السعادة
-
أصل العلوم
-
الخلاء