رئيس التحرير أحمد متولي
 بحث بعنوان تأمل وتفكر

بحث بعنوان تأمل وتفكر

العبادات في الإسلام لا تقتصر على الصلاة والصوم والزكاة فقط بل تمتد لتشمل ما هو أكثر من ذلك، فالتأمل والتفكر يعتبر من العبادات التي تُقرب العبد من ربه، ولكن ربما يتغافل الكثيرون عنهما، ونعد بحث بعنوان تأمل وتفكر بهدف توضيح معنى التأمل والتفكر والفرق بينهما مع بيًان أهميتهما وفضلهما العظيم.

مفهوم التأمل والتفكر

نوضح التعريف الاصطلاحي للتأمل والتفكر فيما يلي:

  • التأمل هو النظر بتمعن ودقة في كل شئ في الكون وجميع مخلوقاته بهدف العظة والعبرة وتذكر وقدرة وعظمة الله سبحانه وتعالى.
  • التفكر هو قدرة تشير إلى استعمال الشخص جميع مهاراته العقلية بهدف الوصول إلى حقيقة الشئ، أي أنه يرتكز على النظر في معاني وخصائص الأشياء وتمحيصها حتى يصل إلى الحقيقة مستخدمًا في ذلك جميع المهارات العقلية، والتأمل يعتبر مهارة عقلية من تلك المهارات اللازمة للتفكر.

الفرق بين التأمل والتفكر

التأمل يختلف عن التفكر، فكل منهما يحمل معنى مختلف عن الأخر، فالتفكر يكون نتيجة للتأمل، ويمكن توضيح الفرق بينهما فيما يلي:

  • التأمل في معناه يدل على التثبت والانتظار، في حين أن التفكر معناه يدل على تقليب الشئ وتمحيصه وفحصه.
  • التأمل يركز على الشكل والمظهر، أما التفكر يركز على الأدلة.
  • يستلزم للتأمل استمرار النظر في الشئ بهدف وصفه من جميع النواحي وملاحظة تفاصيلها حتى يمكن للعقل أن يرسم صورة له، لكن التفكر يكتفي بالصورة التي يرسمها البصر من خلال التأمل.
  • الأداة الأساسية للتأمل هى البصر، أما التفكر فأداته الأساسية هى البصيرة (العقل)

التأمل في القرآن الكريم

كلمة التأمل لم ترد صراحة في القرآن الكريم، بل ذُكرت ضمنيًا في الآيات التي تأمر العبد بالنظر في مخلوقات الله تعالى وعجائب الكون، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (أو لم يروا كيف يُبدئ الله الخلق ثم يُعيده إن ذلك على الله يسير * قُل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله يُنشيء النشأة الأخرة إن الله على كل شئ قدير) (العنكبوت، 19، 20)

الأشياء التي دعا القرآن الكريم إلى التأمل فيها كثيرة، وقد ذُكرت الآيات التي تستنكر تجاهل الكفار والمشركين تلك الأشياء التي إذا تأملوا فيها سوف يعرفون طريق الحق ويؤمنون بوحدانية الله، ومنها: التأمل في عجائب صنع الله، خلق الإنسان من العدم، إحياء الأرض بعد موتها، آثار الأمم السابقة، نوضح بعضهم بشئ من التفصيل فيما يلي:

  • خلق السماوات والأرض

يتضمن القرآن الكريم آيات تحث الإنسان على النظر في مخلوقات السماوات والأرض والمظاهر الطبيعية التي تدور فيهما حتى يستشعر عظمة الخالق عز وجل ويتيقن أنه هو الأحق بالعبادة، قد قال تعالى:

(إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) (البقرة، 164).

  • المخلوقات النباتية وكل ما يخرج من الأرض

يأمرنا القرآن الكريم بالتأمل في حال الأرض وما تُخرجه من نباتات مختلفة رغم أنها مزروعة في نفس التربة وتُسقى من الماء نفسه، قد قال الله تعالى: (وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يُسقى بماء واحد ونُفضل بعضها على بعض في الُأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)

  • أحوال السابقين

على المسلم أن يتأمل في أحوال الأمم السابقة حتى يتعظ ويتقين من قدرة الخالق تبارك وتعالى، فرغم قوتهم إلا أن الله أهلكهم جميعًا بعدما كذب أهلها الأنبياء والرسل، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: (أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النُهى) (طه، 128)

التفكر في القرآن الكريم

يحث الله عباده على التفكر مواضع كثيرة في القرآن الكريم، فقد تكررت الإشارة إليه في 19 موضع، وتوجد آيات كثيرة مرتبطة بالتفكر بطريقة غير مباشرة، حيث ورد فيها لفظ السمع أو البصر أو العقل، ولكن المقصود منها هو السمع/ البصر الذي يؤدي إلى التفكر.

 يجب أن ننتبه إلى أن الإنسان مأمور بالتفكر في كل شئ ما عدا ذات الله سبحانه وتعالى والأمور الغيبية التي اختص بها نفسه عز وجل، لأن التفكر في هذه الأشياء لا فائدة من وراءه.

قد تعددت الموضوعات التي يحث القرآن الكريم العبد على إعمال العقل والتفكر فيها، نذكر منها ما يلي:

  • الكون

الكون بكل ما فيه من ظواهر وكائنات حية وأشخاص ونباتات وفضاء وغيره الكثير يعتبر مجالًا واسعًا يجب إعمال العقل والتفكر فيه وفي كل ما يحتويه، وقد ذم القرآن الكريم من يتجاهلون التفكر في ذلك ومدح من يفعله، تأكيدًا على أهميته وفضله العظيم.

قال الله تعالى في كتابه العزيز: (أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين * أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شئ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون) (الأعراف - 184، 185)

  • الشرائع والأحكام البينة

من الأمور التي يجب على الإنسان، خاصة أهل العلم، التفكر فيها أن القرآن الكريم هو أساس العلوم جميعها، وأنه لا يوجد علم إلا وأخذ أهله من القرآن مادة لهم، فقد قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (النحل: 43)

  • الأمثال القرآنية

ضرب الأمثال من أهم الأساليب في خطاب الناس، لأنه يساعدهم على الاستفادة من تجارب السابقين، لذلك نجد أن القرآن الكريم به العديد من الأمثلة لبيان ما يريد توصيله للعباد مع حثهم على التفكر في هذه الأمثلة وأخذ العبرة منها، فقد قال تعالى: وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) (الحشر: 21)

  • حقيقة القرآن وعظمته

توجد العديد من الآيات القرآنية التي تحث الإنسان على تدبر القرآن والتفكر فيه وفي عظمته وبلاغته، فقد قال تعالى: (بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (النحل، 44)

  • حقيقة الدنيا وحتمية الموت

ورد في القرآن الكريم آيات تدعو الإنسان إلى التفكر في حال الدنيا وأنه غير مخلد فيها، وعليه أن يعتبر من حتمية الموت، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيُمسك التي قضى عليها الموت ويُرسل الأخرى إلى أجل مُسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (الزمر: 42)

أهمية التأمل والتفكر وفضلهما

التأمل والتفكر يجلبان الخير للإنسان في الدنيا والأخرة، وتتمثل أهميتهما وفضلهما في:

  • التأمل والتفكر في آيات الله وقدرته وعظمته في خلق الكون يُنير القلب ويجعله مُعلق بحب وطاعة الله سبحانه وتعالى وابتغاء مرضاته.
  • التفكر في الأمور النافعة وما أمرنا القرآن بالتأمل وتدقيق النظر وإعمال العقل فيه قد يقود الشخص إلى الوصول لأشياء تحقق له منفعة وربما للآخرين أيضًا، أو قد يحصل له النجاة بسببها.
  • التفكر يتعلق بالقلب وعمل القلب أفضل من عمل الجوارج، ولذلك يكون أجره عظيم عند الله سبحانه وتعالى.
  • يدفعان الإنسان إلى العمل الصالح والتقرب إلى الله والاجتهاد في طاعته، والزهد في الدنيا.

المصدر

أسماء أبو بكر

أسماء أبو بكر

عن كاتب المقال: صحفية مصرية حاصلة على كلية الإعلام من جامعة القاهرة، تهتم بشؤون الطلاب