خطبة عن عاشوراء دروس وعبر مكتوبة

خطبة عن عاشوراء دروس وعبر مكتوبة

صامه موسى فكان المسلمون أحق بصيامه من اليهود، فهو من الأيام المباركة التي لها من المواعظ ما يحمل العديد من النفع والفائدة على كل من يستمع إلى خطبة عن عاشوراء دروس وعبر كثيرة ننشرها لكم في السطور التالية لإلقائها يوم الجمعة من أعلى المنابر لعموم الناس.

وكان لصيام موسى يوم عاشوراء دروس وعبر لا تزال تؤتي ثمارها حتى الآن، فهو اليوم الذي نجى الله تعالى فيه نبيه موسى وبني إسرائيل من الغرق، وعلى المسلم أن يتخذها مثارًا له في حياته المستقبلية لما فيها من طاعة لله- عز وجل- وإفادة للمسلم.

عاشوراء دروس وعبر

وتتضمن الخطبة التالية عن عاشوراء دروس وعبر عديدة، نستهلها باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد.. عباد الله: احمدوه سبحانه وتعالى أن جعلكم من أتباع السنة المطهرة، ولم يجعلكم من أهل البدع الذين اتخذوا ضرب أنفسهم وتلطيخ أجسادهم بالدماء دينًا يدينون الله تعالى به، وجعلوا اللعن وسب أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- قربة يتقربون بها إلى الله، وهي في الحقيقة تقربهم إلى جهنم وبئس المصير؛ لأن الله تعالى قد أثنى على صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم في آيات كثيرة، وأعلن رضاه عنهم، وأنه اطلع على ما في نفوسهم يوم البيعة تحت الشجرة وأنه كان حاضرهم. وأنه جل وعلا رضي عنهم، وكتب لهم النصر والغنائم والفتوح فقال تعالى﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا.

عباد الله: إن أهل السنة لا يفرحون بمقتل الحسين رضي الله عنه، ولا بمقتل أي رجل من المسلمين، ولكن ذلك لا يخرجهم إلى حد الغلو والابتداع في الدين، ولو جاز لهم فعل شيء من ذلك لكانت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة من قتل الحسين رضي الله عنه، ولو أن هؤلاء المبتدعة يحبون الحسين حقا لاتبعوه واهتدوا بهديه في هذا اليوم، وصاموا كما كان صائما رضي الله عنه.
ومن الدروس: أن نعلم أننا مأمورون بمخالفة اليهود والكفار وعدم التشبه بهم، فقد جاءت أحاديث كثيرة في ذلك حتى قال اليهود: مَا يُرِيدُ هذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئاً إِلاَّ خَالَفَنَا فِيه، منها قوله صلى الله عليه وسلم في عاشوراء: ((فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ))، وفي رواية: (( خَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ))، وعند ابن خزيمة: (( صوموا يوم عاشوراء و خالفوا اليهود صوموا قبله يوما أو بعده يوما.

كل ذلك مخالفة لليهود الذين يفردون اليوم العاشر بالصيام، ومن أوامر مخالفتهم: قوله صلى الله عليه وسلم: (( خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَوْفُوا اللِّحَى ))، وقوله:((خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلاَ خِفَافِهِمْ.

نحن أمة مرفوعة فلا نكن خاضعين، ونحن أمة متبوعة فلا نكن تابعين، ونحن أمة الجهاد فلا نجبن من أذلةٍ صاغرين غضب الله عليهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة، لقد دانت الدنيا للمسلمين وهم جياع، فالحذر أن تستعبدكم الدنيا وأنتم شباع، لقد حاز المسلمون أموال الدنيا وتربعوا على أسباب الحياة. فقصموا القياصرة، وكسروا الأكاسرة، وحطموا الجبابرة، فلا تجبنوا أمام ثلة ضائعة حائرة من أحفاد القردة والخنازير.

عباد الرحمن: إذا لم يتيسر لنا الجهاد فلا أقل من أن نبغض الكفار ونتجنب طرقهم ونحذر مكائدهم، ونحذِّر منهم من تحت ولايتنا، علماً بأن الجهاد كما يكون بالسنان والنفس والمال؛ يكون باللسان والبنان، ويكون بكل وسيلة مشروعة. لمجابهة الكفار والمنافقين، فالله تعالى يقول﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
نسأل الله أن يجعلنا من أهل السنة المستمسكين بها، وأن يحيينا على الإسلام ويميتنا على الإيمان، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.

خطبة عن عاشوراء

وأما ثاني خطبة عن عاشوراء دروس وعبر فتستهل باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..

شاء الله الرحيم الرحمن أن ينقل عباده بين موسم طاعاته، ويفتح لهم أبواب فضله، وأغدق عليهم بآلائه ومننه؛ فمع رحيل عام وبداية عام جديد، موسم للمغفرة والرحمات والعفو عن الزلات، وقد وسّع الله لعباده أبواب المغفرة والرحمة في نهاية العام وأوله، فشرع سبحانه لعباده مواسم عشر ذي الحجة في ختام العام؛ ففتح فيها عباده كلهم حجاجًا وغير حجاج أبواب الرحمات، ويرجى لمن صام يوم عرفة أن يغفر الله له ذنوب عامين، ويبدأ المسلم عامه الجديد بصوم يوم عاشوراء؛ ليغفر الله له ذنوب سنة؛ فما أعظم فضل الله على عباده؟! وما أوسع رحمته -جل وعلا-؟!

وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- شهر المحرم، وحث على الإكثار من الصيام فيه، وسماه شهر الله، وهذا يبرز شيئًا من فضائل شهر المحرم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ الصَّلاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وأفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضانَ شَهْرُ الله المُحَرَّمُ".

وقد وقع في هذا الشهر أحداث عظام في هذه الأمة، وفي غيرها من الأمم، كان لها آثار عظيمة ونتائج مؤثرة، ومن أهم ما حدث في شهر المحرم، وخاصة يوم عاشوراء، إهلاك فرعون، ونجاة نبي الله موسى -عليه السلام.

إن هذا الحدث يوم عظيم من أيام الله -تعالى- ينبغي علينا أن نتذكره ونتأمل فيه، قال -سبحانه-: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ)، وإن من يتأمل الوقائع والأحداث عبر السنين والأعوام، تيقن أن الله -تعالى- يداول الأيام بين الناس، فقد ظن جبابرة كثيرون أن الدنيا قد استسلمت لهم، وأنهم عليها غالبون، وأن القرار لهم، والغلبة والسيطرة لهم، فهذا فرعون علا في الأرض وأفسد فيها، يستحي النساء، ويقتل الرجال، ويشرد ويدمر، ويقتل، ورفع نفسه فوق منزلته، وظن أنه ربّ يعطي ويمنع، ويحيي ويميت، ويفعل ما يحلو له، غير آبهٍ بأحد، فلما استكبر وطغى، وفجر وبغى، أخذه الله نكال الآخرة والأولى، وأهلكه ودمره ودمّر جنده.

إن في إهلاك الله للظالمين والطغاة آية كونية، وراحة للبلاد والعباد، وإظهارًا لقدرة الرب سبحانه في خلقه، وعظمته وجلاله وكبريائه؛ يملي للظالمين والطغاة، فتعلو كلمتهم، وتفشو قوتهم، وتعظم سطوتهم، حتى يظنوا في أنفسهم السيادة والعلو والرفعة والعزة والمنَعَة، وأنهم في ممالكهم مُمَكَّنُون، وفي عسكرهم وحرسهم آمنون، يأمرون وينهون، ويقربون ويعزلون، الخير ما استحسنوه، والشر ما عادوه، آراؤهم في الاقتصاد سديدة، وفي العلوم والفنون غير مسبوقة، .. وخلفهم همج رعاع يجيدون صناعة الطواغيت، فيؤلهون هؤلاء الطغاة، ويرفعونهم فوق قدرهم.. وعندها تحق عليهم كلمة الرب العظيم -سبحانه-، فيهلكهم ويجعل إهلاكهم من محامده وفضله -سبحانه- على خلقه، (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فضلاً عن أن إهلاك الظالمين يفتح باب الأمل أمام المستضعفين لنصر من الله وفتح قريب، قال -جل وعلا-: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)[إبراهيم:5-6]، فهل تأخذ الأمة من ذلك عبرة، حتى لا يعتريها كسل، ولا يتسلط عليها يأس؟!

إن نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يعظمون يوم عاشوراء ويصومونه، فكان له موقف وتوجيه في ذلك، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، أَنَّ رسول الله عندما قَدِمَ إلى المَدِينَةَ، وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَه مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقَالَ: "أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ" فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. 

فالطاعة أفضل صور شكر المنعم، لقد صام النبي هذا اليوم وأمر المسلمين بصيامه، وجعل في صومه أجرًا كبيرًا، فلما سئل -صلى الله عليه وسلم- عن صِيَام يَوْمِ عَاشُورَاء، قال: "أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"، ولكنه أراد لهذه الأمة أن تجمع بين الخيريتين؛ خيرية طاعة الله تعالى وشكر نعمة إهلاك الظالمين وإنجاء المؤمنين.

والخيرية الثانية هي مخالفة المشركين، فنصح للمؤمن أن يخالف المشركين في احتفائه بهذا اليوم، فعن عَبْد اللهِ بْن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فإذا أرادت هذه الأمة خيرية وسعادة ورفعة، فلتحرص على اتباع سُنة النبي-صلى الله عليه وسلم-، ومخالفة سُنَن المشركين، ولتعلم أن المشركين أهل غواية وإضلال، يحرصون على نشر الفساد والشر، وإيقاع هذه الأمة في حبائل المنكرات، فهل تنتبه الأمة في ذكرى عاشوراء إلى مصدر عزها وخيريتها المتمثل في جمعها بين طاعة ربها، ومخالفة سبل الضالين والمجرمين من أصحاب الجحيم؟!

ومن الدروس والعبر المستفادة في خطبة عاشوراء، والتي تتأتى من الأحداث الجسام هذا اليوم أيضًا ما أصاب الأمة المسلمة من مقتل أحد أفاضلها وكبرائها، فقد فجُع المسلمون باستشهاد الحسين بن علي -رضي الله عنهما-، ولا شك أن مقتله -رضي الله عنه- مصيبة، يفرح بها العدو ويُساء بها المحب، وقد ساء أهل السنة مقتل ريحانة النبي -صلى الله عليه وسلم- وابن ابنته، ولم يفرح بهذه المصيبة إلا المفسدون والخونة من السبئيين وغيرهم.

وإن الشرع المطهر علمنا أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ومع ذلك يحدث في هذا اليوم من منكرات الروافض الشيء الكثير، ويحدث فيه من البدع والمحدثات أمور كثيرة، لا يرضاها شرع ولا يقرها دين، وإنما هي أفعال جاهلية وأمور باطلة، لا ترد ميتًا ولا تنصر حقًّا، بل تولد حقدًا وتنشر جهلاً وبدعًا، فهل يستطيع  عقلاء الأمة جمع كلمتها وتوحيد صفها قبل أن تخترم بنيتها وتضيع قوتها؟

ومن أجل تذكير المسلمين بفضائل شهر الله المحرم، وبيان بعض الأحداث التي وقعت فيه، وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم مجموعة خطب منتقاة توضح أهم الأعمال الصالحة في هذا اليوم العظيم يوم عاشوراء وبينا السنن والمبتدعات في هذا اليوم، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

شيماء عثمان

شيماء عثمان

صحفية مصرية من محافظة الإسكندرية، عملت مراسلة للعديد من المواقع والصحف المحلية