رئيس التحرير أحمد متولي
 محمد بن سلمان يهدم إرث أبيه وجدّه.. خطوات متسارعة نحو السعودية الجديدة

محمد بن سلمان يهدم إرث أبيه وجدّه.. خطوات متسارعة نحو السعودية الجديدة

منذ أن أصبح محمد بن سلمان وليًا للعهد، اعتبره البعض انقلابا بينما يراه آخرون مثالا لتمكين الشباب من الحكم بما يحمله من أفكار جديدة تساعد المملكة السعودية في الانفتاح على العالم بعد عصور من الانغلاق.

يدعو بن سلمان للعودة إلى «الإسلام الوسطي المعتدل» كما يقول ويصرح في غضب بأنه سيحارب التطرف داخل المملكة، ويدعم ويساند تمكين المرأة في المجتمع، وتحجيم سلطة رجال الدين.. فهل يمكننا أن نقول بأن بن سلمان يقود انقلابا على تراث السعودية الوهابي وأفكارها المتشددة في رأي البعض، ويدخلها في عصر جديد؟

ثورة أم الانقلاب ناعم على نظام المملكة؟

الطريقة التي جاء بها محمد بن سلمان إلى السلطة، بعد استبعاد ولي العهد محمد بن نايف، اعتبرتها بعض الوسائل الإعلامية بمثابة انقلاب ناعم داخل الأسرة الحاكمة.

أصبح ابن سلمان وليا للعهد ودخلت معه المملكة في مرحلة جديدة من فيما أسماه بخطة الإصلاح الاقتصادي وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة لتصبح أكثر انفتاحًا على العالم؛ ودخلت أيضا في مرحلة من الانقلاب على النظام القديم في انتقال السلطة، الذي كان ينتقل عن طريق الأخ، بدلًا من الابن.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فشهور قليلة مضت حتى أصدر ولي العهد مرسوما ملكيا بالقبض على أبناء عمومته من الأمراء المتهمين في الفساد المالي وعلى رأسهم الوليد بن طلال، و11 أميرا و38 وزيرا آخرين، وهو ما اعتبرته صحف أجنبية وعربية أنه تشديد للقبضة الأمنية لـ«بن سلمان» في مواجهة المعارضين لانقلابه الناعم على السلطة، خصوصا بعد مقتل الأمير منصور بن مقرن وعدد من المسئولين في حادث تحطم طائرة في ظروف غامضة.

محمد بن سلمان والإسلام المعتدل

لم يعد لـ«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» أي سلطة مستقلة أو سلطة فعلية في ملاحقة المخالفين، وكل ما تقوم به هو تسجيل المخالفات وترك القرار لجهاز الشرطة

ولم ينقلب بن سلمان على نظام توريث الحكم فقط، فقد أعلن ثورته على جميع الأفكار الدينية المتطرفة التي حكمت السعودية عقودًا طويلة.

 

«سوف ندمرهم اليوم وفورًا، لن نضيع 30 سنة أخرى في التعامل مع أفكار متطرفة.. السعودية لم تكن كذلك قبل 1979، نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان».

لم يكتفِ ولي العهد بذلك، فقد قال صراحة إن السعودية لم تكن يومًا مصدرًا للأفكار المتطرفة، لكنها وقعت ضحية للثورة الإسلامية في إيران، فقد أراد الناس استنساخ هذا النموذج في السعودية ولم نعرف كيفية التعامل معه، والآن حان الوقت للتخلص من هذا النموذج».. كما يقول في حواره لجريدة «الجارديان» البريطانية.

وبينما كان ولي العهد يتحدث بلهجة صارمة وشديدة التوعد، أشادت الصحيفة البريطانية بهذه الكلمات، وقالت إنها «التصريحات الأكثر حزما في خطة الإصلاح».

  • تحجيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ولهذا السبب لم يترك ولي العهد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت تجوب الشوارع لضبط ومطاردة كل من يخالف الشريعة الإسلامية؛ فقد صوت مجلش الشورى على قرار ضم الهيئة لوزارة الشئون الإسلامية.

ولم يعد لـ«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» أي سلطة مستقلة أو سلطة فعلية في ملاحقة المخالفين، وكل ما تقوم به هو تسجيل المخالفات وترك القرار لجهاز الشرطة.

الأسباب التي أرجعها مجلس الشورى لتقليص الهيئة هي أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شيء واجب على كل مسلم، ولم ينص الدين على تشكيل هيئة كاملة لذلك.

إنشاء هيئة الترفيه والحفلات والسينمات

قبل أن يصبح ابن سلمان وليا للعهد بشهر واحد، وتحديدا في 7 مايو 2017 أعلن الملك سلمان بن عبد العزيز إنشاء الهيئة العامة للترفية والثقافة.

وأصبح من مهام هذه الهيئة إنشا النوادي والمتاحف والمسارح ودعم الكتاب والفنانين الموهوبين وإنشاء الشواطئ السياحية والسينمات.

وبينما أثار إنشاء هذه الهيئة ردود فعل وجدال كبير ما بين مؤيد ومعارض، إلا أن بن سلمان استمر في تنفيذ هذه الخطة واستقبلت السعودية أولى حفلاتها الفنية في مارس 2017 اعتبر هو الحفل الأول منذ ثلاثة عقود، حين استقبلت السعودية الفنانين محمد عبد وراشد الماجد.

وفي الوقت الذي اشتد فيه الخلاف حول السماح للنساء بحضور هذه الحفلات حتى لو كان بصحبة العائلات أو حفلات مخصصة للنساء فقط، إلا أن ولي العهد خرج بتصريح لجريدة الـ«نيويورك تايمز» يقول فيه إنه «على عهد الرسول كانت هناك مسارح موسيقية واختلاط بين الرجال والنساء واحترام للمسيحيين واليهود في شبه الجزيرة».

محمد بن سلمان وزيارة إسرائيل

وبينما يتخذ محمد بن سلمان جميع هذه القرارات في العلن ويصرح بها في مؤتمرات صحفية، فإن بعض وسائل الإعلام تناقلت أنباء عن زيارة سرية لإسرائيل.

فبعد عقود من القطيعة بين السعودية وإسرائيل بدأت منذ عام 1948 وعدم اعتراف المملكة بالاحتلال الإسرائيلي كدولة يبدو ولي العهد مهتمًا جدًا بتجديد العلاقات بين إسرائيل والدول العربية وفتح صفحة جديدة من السلام بينها وبين المملكة.

وقالت صحف إسرائيلية إن سبب هذه الزيارة السرية هو الاستجلابة لشروط صندوق النقد الدولي، في وقت تعاني فيه السعودية أزمة اقتصادية.

هناك سبب آخر يدفع ولي العهد للتمسك بدوره المحوري في صفقة القرن التي تريد الولايات المتحدة إتمامها بين إسرائيل والدول العربية وبين السعودية وإسرائيل بالتحديد؛ فالمملكة تبحث عن تشكيل ائتلاف سعودي إسرائيلي في مواجهة نفوذ إيران في الشرق الأوسط.

محمد بن سلمان وتمكين المرأة

  • قيادة المرأة للسيارة

لم يكن محمد بن سلمان قد صار بعد وليا للعهد عندما وقف في مؤتمر صحفي في أبريل 2016 ليجيب عن تساؤل هل تسمحون للمرأة بقيادة السيارة، بقوله إن «قيادة المرأة للسيارة ليست قيادة دينية بقدر ما هي قياددة لها علاقة بالمجتمع نفسه، يقبلها أو يرفضها وإلى اليوم المجتمع غير مقتنع بقيادة المرأة للسيارة ولا يستطيع أحد أن يفرض عليه شيء لا يريده، لكن المستقبل قد يحمل متغيرات».

ولم يكن أحد يعلم أيضا أن التغيرات ستأتي بهذه السرعة، ففي خلال عام واحد فقط، تم تنصيب بن سلمان وليًا للعهد في يونيو 2017، ولم تمض 3 شهور أخرى حتى أصدر قرار بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، بعد عقود طويلة ظل رجال الدين في السعودية يحرمون قيادة المرأة للسيارة.

  • مشاركة المرأة في الفتوى

ومضت أيام قليلة فقط حتى وافق مجلس الشورى على إشراك المرأة السعودية في  إصدرا الفتاوى الشرعية، وافتتاح أقسام نسائية في الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء؛ بعد أن ظل هذا المنصب مقصورا على العلماء الرجال لسنوات طويلة.

الغريب أن الموافقة جاءت بغالبية كاسحة تقول إن مؤسسات السعودية تسير وفق خطة بن سلمان، فقد وافق 107 عضو من 150 عضوا بالشورى.

  • السماح للمرأة بدخول الملاعب

كان اتجاه ولي العهد واضحًا في التجديد والانقلاب على المؤسسات التقليدية في الدولة، فقد قال في حوار أجرته معه وكالة «بلومبيرج» إنه لديه مشكلة مع المؤسسات التي تشوه الحقائق الدينية حتى لا تحصل النساء على حقوقهن كاملة؛ فهناك حقوق للنساء في الإسلام لم يحصلن عليها بعدُ».


وبعد أقل من شهر من السماح بقيادة المرأة للسيارة أصدر بن سلمان قرارا بالسماح للمرأة بدخول الملاعب في ثلاثة مدن هي الرياض وجدة والدمام.

وجاء هذا القرار بعد السماح للمدراس الحكومية بتطبيق برامج التربية الرياضية للبنات.

 

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال