رئيس التحرير أحمد متولي
 عائدون من الانتحار يتحدثون لـ«شبابيك».. كيف يواجهون الحياة من جديد؟

عائدون من الانتحار يتحدثون لـ«شبابيك».. كيف يواجهون الحياة من جديد؟

لحظات من اليأس تتمكن من البعض وتدفعهم نحو مفارقة الحياة واللجوء للانتحار للتخلص من الضغوطات، ولكن القدر يعيدهم للحياة مرة أخرى ليواجهوا مخاوفهم ومشاكلهم من جديد.. في تلك السطور نحكي مع العائدين من الانتحار، ما الذي دفعهم للقدوم على الانتحار؟ وما الذي افتقدوه فيمن حولهم؟ وكيف يواجهون المجتمع من جديد؟.

ما بعد الصدمة

قبل شهور قليلة من الزفاف توفي أحمد في حادث أليم، وترك عروسه تواجه الحياة وحيدة من بعده، حاولت نورا أن تتخلص من الصدمة وتوابعها ولكنها لم تقوى على مواجهة الذكريات التي ظلت تراودها، ذهبت كل الفرص للحياة من جديد بعدما رحل رفيق دربها، فاستسلمت لألمها وقررت الانتحار لتخلص مما يطبق على أنفاسها، وتلحق به.

تناولت نورا شريط عقار مخدر ولم تشعر بشيء إلا بعد ليلتين من الواقعة، نقلتها شقيقتها الكبرى إلى المستشفى وعادت للحياة من جديد تقول: «أول ما فقت انهارت في العياط ومكنتش عايزة أشوف أو أسمع حد»، عادت للمنزل وهي لازلت تعاني نفس الألم وذهبت لطبيب نفسي بعد أن تعافت تنفيذًا لرغبات عائلتها.

قبل شهور قليلة من الزفاف توفي أحمد في حادث أليم، وترك عروسه تواجه الحياة وحيدة من بعده، حاولت نورا أن تتخلص من الصدمة وتوابعها ولكنها لم تقوى على مواجهة الذكريات التي ظلت تراودها، ذهبت كل الفرص للحياة من جديد بعدما رحل رفيق دربها، فاستسلمت لألمها وقررت الانتحار لتخلص مما يطبق على أنفاسها، وتلحق به.

شهور طويلة مع العلاج والتأهيل النفسي حتى استطاعت تقبل الأمر والتعايش، تحكي صاحبة الـ 28 عاما: «بعد موته مكنتش عايزة حد يقولي معلش أو أنا حاسس بيكي مكنش في حد حاسس بيا فعلًا.. أنا كنت في دنيا غير الدنيا»، كانت والدتها كلما رأتها في تلك الحالة تجهش في البكاء، أما والدها فكان ردة فعله أنه صفعها على وجهها لتفقيق من تلك الحالة، أما شقيقتها فملت من كآبتها وتركتها وحيدة.

ثلاثة رفيقات هن دائرتها المقربة لم يستطعن مساعدتها «أنا عارفة انهم كانوا بيحاولو يساعدوني بكل الطرق.. بس أنا كنت حاسة بوحدة شديدة وقتها ومكنتش عارفة أصدق إنه خلاص راح.. ولو رجع بيا الزمن مش هكرر ده تاني علشان خاطر أمى بس».

بعد مرور ثلاث سنوات لا زالت نورا تذهب إلى قبر أحمد تحدثه، وتقرأ له من آيات القرآن، وتعود ثانية لعالمها الفعلي تطلق ضحكاتها في الهواء، وتمرح مع صديقاتها وتذهب يوميًا إلى عملها كمدير للعلاقات العامة في إحدى الشركات، وعندما تتذكره تبتسم ولم تعد تفكر في الانتحار بعد.

هروب اضطراري

في ليلة ميلاده العشرين، قرر يوسف الانتحار ليهرب من واقعه الذي لم يعد يتقبله، باستخدام «الكتر» قطع شرايين يده ووقف يشاهد الدماء وهي تغرقه، حتى أغشى عليه، الصدفة تعيده للحياة مرة أخرى بعدما عادت والدته في موعد مبكر من عملها. أنقذه ذلك الصداع الذي أعادها باكرًا فنقلته للمستشفى بمساعدة أحد الجيران.

يقول: «الغريب إن الدكتور اللي عالجني فضل يزعقلي ويقولي أنت كده كافر»، بينما والدته منهارة في البكاء وما تفكر فيه كيف ستبلغ والده، السبب الأصلى الذي دفع يوسف للانتحار، حيث يعنفه والده ويتطاول عليه بالسب والضرب أمام أصدقائه وجيرانه منذ الصغر وحتى بعد دخوله الجامعة.

يوسف متفوق دراسيًا، محبوب من الجميع هو الابن الوحيد للعائلة، يرى والده أن استخدام القسوة هو الحل الأمثل لتربيته خوفًا من تعرضه للانحراف، يحكي الطالب في كلية الحاسبات والمعلومات أن والده ضربه لرفضه حلاقة شعره الكثيف، ولم يكتف بذلك فقط بل أحضر ماكينة الحلاقة وحاول أن يقص له شعره حتى أصيب بجروح في رأسه.

في ليلة ميلاده العشرين، قرر يوسف الانتحار ليهرب من واقعه الذي لم يعد يتقبله، باستخدام «الكتر» قطع شرايين يده ووقف يشاهد الدماء وهي تغرقه، حتى أغشى عليه، الصدفة تعيده للحياة مرة أخرى بعدما عادت والدته في موعد مبكر من عملها. أنقذه ذلك الصداع الذي أعادها باكرًا فنقلته للمستشفى بمساعدة أحد الجيران.

لم يتحمل الموقف وقرر مفارقة الحياة، وهو على فراش المستشفى كان يفكر في ردة فعل والده الذي كان مفاجئًا بالنسبة له حيث انهار بعدما وجده على تلك الهيئة حليق الرأس مجهد الأعين يلتقط أنفاسه بصعوبة، بينما المحاليل تتسرب إلى وريده ببطء، ظل يبكي ويحتضنه ويطلب منه العفو والسماح.

«مكنش محتاج انتحر علشان يحس بيا.. كنت محتاج حب وتقبل ودعم مش أكتر»، لم يملك سوى الصفح ولكن بحوزته ألم نفسي يخنقه، كلما يرى أحد شاهد تعرضه للعنف من قبل والده، لازال يوسف غير متقبل ما فعله والده به، وتخاذل والدته عنه، لذلك قرر السفر لاستكمال الدراسة بالخارج لعله يرى وجوه جديدة تنسيه ما تعرض له.

السجن النفسي

يظهر «ميل جيبسون» في رائعة تراجيدية نفسية في فيلم the beaver والذي يجسد فيه شخصية «والتر» مدمن خمور يعاني من الاكتئاب الشديد بسبب عدم قدرته على التعافي، وما يزيد الأمر سوءً هو عدم تقبل «بوتر» ابنه الكبير له، فيدون ما يمقته في والده على ورق ويضعه على حائط غرفته.

السجن النفسي والشعور بالاغتراب دفع الأب لمحاولة الانتحار ليتخلص من ألمه النفسي وما سببه من أذى لزوجته وأولاده الإثنين، حتى شركة صناعة الألعاب والدمى التي يمتلكها تتعرض للخسارة.

تفشل محاولة والتر في الانتحار ويعود للحياة بشخصية جديدة، يرتدي دمية قفازية عثر عليها مصادفةً في يده ولا يتخلى عنها أبدًا، بعد أن وجد فيها ما يعوضه عن شعوره بالفقد وعدم القيمة لدى عائلته، حاولت زوجته مساندته ولكنه لم يستجب لها، ما دفعها للرحيل، وتركته وحيدًا يصارع نفسه ومخاوفه وتلك الشخصية الافتراضية الذي وجدها في تلك الدمية.

يحاول والتر التخلص من تلك الدمية فيقطع يده وينقذه ابنه الأكبر ويعود من جديد شخص متزن متقبل من زوجته وأبنائه بعدما وجد الدعم الذي افتقره، ويساعدونه في تصميم خط إنتاج من الدمى يعيد شركته من جديد وينقذها من الخسارة.


دراسات وإحصائيات

أوضحت إحصائية رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن حالات إيذاء الذات عن عمد، التي شهدتها مصر طوال السنوات الثلاث الأخيرة لم تتعد 183 حالة، كان الذكور الأكثر إقدامًا على التخلص من حياتهم بواقع 140 حالة مقابل 43 حالة فقط بين الإناث.

وفقًا لتقرير التعبئة والإحصاء، فإن تلك الحالات تركزت بشكل كبير بين المراهقين في الفئة العمرية أقل من 20 سنة بعدد 80 حالة، يليهم الشباب في الفئة العمرية أقل من 40 سنة بعدد 67 حالة انتحار، بينما سجلت تلك الحالات أدني مستوياتها بين الأكبر سنًا بعدد لا يتجاوز 10 حالات خلال الثلاث سنوات الماضية.

أوضحت إحصائية رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن حالات إيذاء الذات عن عمد، التي شهدتها مصر طوال السنوات الثلاث الأخيرة لم تتعد 183 حالة، كان الذكور الأكثر إقدامًا على التخلص من حياتهم بواقع 140 حالة مقابل 43 حالة فقط بين الإناث.

وكشفت دراسة حديثة أجراها المركز الكوري للتشريح النفسي أن الأشخاص الذين يقدمون على الانتحار يصدرون سلوكا وإشارات منبهة قبل الإقدام على الانتحار، وأشارت الدراسة إلى أن 37 % من عينة الدراسة حاولوا الانتحار بسبب الشعور بالذنب أو الضعف.

وتوضح الدراسة أن ثلث من غادروا الحياة من جراء الانتحار سبق لهم أن حاولوا القيام بالأمر، في وقت سابق، لكنهم أُنقذوا ولذلك عادوا إلى فكرة الموت في وقت لاحق.

تؤكد الدراسة أن 19 % من عائلات المنتحرين أقروا بفشلهم في التعامل مع أقاربهم الراحلين، لاسيما أنهم استبعدوا أن تبلغ الأموردرجة إنهاء الحياة بصورة مأساوية، وهو ما يعني أن الاستخفاف قد يكون قاتلا في بعض الأحيان.

احذر.. هنا شخص يفكر في الانتحار

ترى استشاري الطب النفسي سوسن فايد، أن الشخص لا يأخذ قرار الانتحار وإنهاء حياته بشكل مفاجئ، فالبعض منهم يحاول الاستغاثة بمن حوله سواء بصورة مباشرة عن طريق الكلام والبوح، أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الأفعال ولكنه عندما يصل إلى ذروة اليأس يقدم على فعلته.

تضيف «فايد»: هناك الكثير من المؤشرات التي تبدو جلية وواضحة للأهل والأصدقاء ولكن كثرة مشاغل الحياة واختفاء التلاحم الاجتماعي، يجعل كل شخص يعيش في عزلة اجتماعية عن المحيطين به، فقد يعلن رغبته في إنهاء حياته.

فالشخص الذي يقدم على الانتحار، يعاني من الوحدة والاغتراب وينقطع عن العالم ولا يرغب في مشاركة أحد، ويتضح ذلك في صورة اضطرابات نفسية فقد يعاني من اضطرابات في الأكل والنوم بوضوح، أو يعاني من هواجس وأفكار غريبة ومتطرفة، وقد يتحدث كثيرًا عن الرغبة في الموت ويلجأ البعض لجرح نفسه بآله حادة، كما أن هناك من يرحل بصمت دون أي علامة.

الانتحار


تأهيل العائد من الانتحار

تؤكد الدكتورة سوسن فايد، أن الشخص الذي يقدم على الانتحار يمكنه تكرار الأمر مرة أخرى ما دام السبب الذي دفعه لذلك  قائمًا ومعاناته مستمرة، وعلى المحيطين به دور فعال في إعادة تأهيلة للحياة من جديد، ويمكن تلخيص العلاج فيما يلي:

الطبيب النفسي

الطبيب النفسي أول خطوات العلاج فيجب اللجوء له لحل الأزمة بطريقة علمية حتى لا يعرض الشخص نفسه للأذى مرة أخرى، وللتخلص من آثار الحادث الأليم ومعرفة الأسباب التي دفعته للانتحار لحلها.

كما أنه من الضروري أن يتابع جلسات العلاج النفسي على فترات مستمرة للتأكد ما إذا كانت أزمة عابرة ناجمة عن اكتئاب أو مشكلة مر بها الشخص، أم يعاني من اضطراب نفسي وتشير أن لكلا الحالتين طريقة علاج مختلفة.

الأهل

للأهل دور فعال في إعادة تأهيل الشخص الذي حاول الانتحار أولًا بإحتوائه وتدارك الخطأ بالبعد عنه ومحاولة التقرب له ومعرفة الأسباب التي دفعته لذلك، ومن الضروري عدم الضغط عليه أو اكسابه الشعور بالذنب نتيجة فعلته، فالتقبل يدفع الشخص للحديث بصراحة عن ما يشعر به وذلك يخفف من حدة الألم الذي يعاني منه.

الأصدقاء

الأصدقاء يمكنهم تبديد الشعور بالوحدة التي يمر بها الشخص الذي أقدم على الانتحار، عن طريق مشاركته أوقات مرح والقيام بأنشطة مختلفة معًا، وتحذر «فايد» من الصديق المحبط أو ذي النظرة التشاؤمية لما يجلبه من نتيجة عكسية في العلاج، فالشخص الذي عانى تجربة الموت يريد حب وتقبل ودعم ودعوة للحياة.

الوعظ الديني

يمكن أن يكون ذلك الواعظ شخص من العائلة أو الجيران أو الأصدقاء أو مختص، بشرط أن يكون شخص عاقل وحكيم لديه القدرة على الإقناع دون التنفير والترهيب.

ندى سامي

ندى سامي

صحفية مهتمة بشؤون المرأة والمجتمع