نظرة في سلوك المصريين تجاه العرب.. عداوة ينكرها الواقع

نظرة في سلوك المصريين تجاه العرب.. عداوة ينكرها الواقع

«مصر أم الدنيا».. كلمة يرددها المصريون كثيرا للتأكيد على أهمية بلدهم وتفوقها على جميع الدول العربية.

لكن الأمر لا يمر في أغلب الأحوال مرور الكرام، خاصة عند حدوث خلاف صغير بين مصر وأي دولة عربية. يتبادل الطرفان الاتهامات في الإعلام والسوشيال ميديا، تصل الخلافات عند البعض للتراشق بالألفاظ النابية؛ حينها يتمسك المصريون بفكرة أن مصر هي صاحبة الفضل على جميع الدول العربية، حتى وإن كان الكثير من هؤلاء يعملون في تلك الدول.

فمن حلم الوطن الأكبر الذي تغنى به المصريون والعرب معا.. إلى هذا الخلاف المتصاعد الذي ساهمت منصات التواصل الاجتماعي في تفاقمه.. كيف يرى خبراء علم النفس والاجتماع والإعلام المصريون اليوم.. وكيف يراهم أشقائهم العرب؟

شعارات فارغة

الشخصية المصرية تعرضت لظلم كبير امتد لعقود، هذا ما يؤكد عليه أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، الدكتور طه أبو الحسين.

فهذه العصور المظلمة جعلتها بعيدة كل البعد عن الصورة التي يرى بها المصريون أنفسهم من خلال الماضي وحضارته.

 ومع التضليل الإعلامي المتعمد "الذي يتبع أجندات خاصة لا تريد لهذا الشعب أن ينهض"، انتشرت الشعارات التي تضخم من إمكانيات هذا الشعب حتى لا يفكر في النهوض.

يستكمل طه حديثه لـ«شبابيك»: «كلما حاول المصريون النهوض قيل لهم أنتم أصحاب حضارة السبعة آلاف عام.. أنتم تنتجون أفضل قطن في العالم ..وأنتم وأنتم... شعارات هدفها التضخيم من شخصية المصري  حتى لا يفكر في النهوض مرة أخرى».

الشخصية المصرية في نظر «أبو الحسين» تحتاج لإعادة النظرة مرة أخرى، وتقييم حالها وحال الشعوب الأخرى بطريقة صحيحة وحيادية؛ وترى كيف أصبحت الآن في ظروف اقتصادية واجتماعية واقتصادية سيئة للغاية، وكيف سبقها غيرها من الشعوب.

يقول أبو الحسين: «مينفعش أشوف راجل ميليونير وأقوله أنت مكنتش لاقي تاكل من 20 سنة.. طيب هو اشتغل على نفسه وبقى مليونير، لكن أنا عملت إيه؟ فضلت واقف مكاني».

المصري من حقه التفاخر

مصر

لكن أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، الدكتورة سامية خضر، تفرق بين شيئين الأول هو النظرة الاستعلائية الصادرة من قلة قليلة من المصريين، وحق المصري في التفاخر بحضارته.. لايجب أن نخلط بين الأمرين كما تؤكد لـ«شبابيك».

ترى «خضر» أن المصري من حقه التفاخر بحضارته، لأن بلده يمتلك حضارة فرعونية تفوقت على العالم كله، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، «حتى عندما أسافر أوروبا وفي فرنسا على سبيل المثال يقدسون شيء اسمه الحضارة الفرعونية».

هل أصبح السلوك الاستعلائي ظاهرة؟

المصريون في حقيقتهم يحملون محبة كبيرة لغيرهم من الشعوب العربية، ويتعاطفون معهم بشدة في أوقات الأزمات، مثلما حدث مع الشعب السوري والشعب العراقي.. هذا ما تؤكد عليه أستاذة علم الاجتماع.

وسائل الإعلام في نظر «خضر» هي المسئولة عن إشعال المشاحنات بين المصرين والشعوب العربية: «فهناك مؤسسات إعلامية مخصصة لشحن العداوة بين العرب وبعضهم».

فلا يمكن أن نقول أن هذا السلوك الاستعلائي يرقي لكلمة «ظاهرة» أو أن نعممه على جميع المصريين.

لكن أستاذة علم الاجتماع ترى أن هذا السلوك الاستعلائي والتراشق بالألفاظ النابية يظهر بقوة عند حدوث خلاف مع بعض الدول.. قطر تبدو ذات النصيب الأكبر؛ لأن المصريين «شايلين كتير من قطر بسبب مواقفها السياسية ضد مصر؛ وانتقاد المصريين اللاذع للنظام في قطر عبارة عن رد فعل».

الشتيمة بالأم جت منين.. حكاية الأنوثة في مصر من الفخر للإهانة

 لكنها شخصية مسالمة أيضا

مصر

الشخصية المصرية تبدو في نظر استشاري الصحة النفسية، الدكتور محمد هاني شخصية مسالمة للغاية.

هناك دراسات أُجريت على الشخصية المصرية وأثبتت أنها شخصية مسالمة للغاية، لا تبدأ بالهجوم في حق غيرها إلا كرد للإهانة.

يدلل استشاري الصحة النفسية بفيلم «العساكر» الذي بثته قناة الجزيرة القطرية، لانتقاد الجيش المصري، يقول «هاني»: «المصري هنا سواء كان معارضا أو مؤيدا للنظام «دمه اتحرق» لأنه شعر أن الفيلم يسيء لمؤسسات الدولة. وهنا بدأ الهجوم الشديد بالألفاظ غير اللائقة على النظام الحاكم في قطر، والتقليل من شأن هذه الدولة مقارنة بحجم مصر وحضارتها؛ من خلال السوشيال ميديا ووسائل الإعلام.

إلا أن استشاري الصحة النفسية الذي يلتمس العذر لغضب المصريين الشديد في هذه الحادثة، لا يغفر لهم التراشق بالألفاظ في حق العرب بصفة عامة؛ فالغيرة على الوطن ليست مبررًا لمثل هذه السلوكيات في نظره.

االأزمة داخلية بين المصريين قبل العرب

لكن التراشق بالألفاظ «الخارجة» في السوشيال ميديا كلما حدث أي خلاف بين المصريين وأي شعب عربي؛ شيء لا يقصد به الإساءة للعرب تحديدا، بحسب محمد هاني.

يقول هاني: «لماذا نذهب بعيدا للمصريين  والعرب، انظر حولك عند أي مباراة للأهلي والزمالك ألن تجد تعصبا وتبادلا للإهانات وتلك الألفاظ البذيئة أيضا.. المصري لا يقصد إهانة إخوته العرب كما يصور البعض.. لكن هذه الطريقة في الحوار هو عيب انتشر عند بعض المصريين بشكل عام».

السوشيال ميديا تبدو في نظر «هاني» سببا رئيسيا لهذه الظاهرة.. فعندما يرى الشاب الكلمات البذيئة مكتوبة بكثرة في مواقع التواصل الاجتماعي، تعتبر بالنسبة له شيئا عاديا «وكل الناس بتعلمها» وتسقط دلالتها المهينة والقاسية عند الشباب..  فعندما يطلق الشاب لفظة خارجة فكأنه يقول لمن أمامه «يا وحش» أو «يا حمار».

كيف ترانا الشعوب العربية؟

مصر

لنتفق على شيء.. لا يكتمل حكمك على تعامل المصريين مع العرب بالسلب أو الإيجاب إلا من خلال حكايات الشباب العربي نفسه.. وما هو الانطباع الذي يتركه تعامله مع المصريين بشكل مباشر؟

تسلسل تاريخي.. حكاية التجنيد في مصر من الفراعنة لمحمد علي

الإعلام والنخبة السبب

يقول عبد الغني مبروك وهو شاب جزائري: «بعض الجزائريين يؤكدون شعورهم بالنظر الاستعلائية للمصريين. هذا الانطباع موجود منذ أزمة مبارات كأس العالم عام 2009».

يضيف عبدالغني لـ«شبابيك»: لكن الجزائريين يلقون بمسئولية ما حدث على نظام «مبارك» الذي لا يخفي الجزائريون كرههم له وللرموز الإعلامية التي ساهمت في إشعال الأزمة وتعرضت بالسب للجزائر وشهداءها. إضافة للتقليل دائما من شأن الشعوب العربية، والتصريح بأن حضارة مصر أعرق حضارة وأن المصري أرقى وأولى بالقيادة والريادة، وباقي الشعوب العربية الأولى بها أن تتعلم من مصر».

لكن الإساءة للشعوب الأخرى شيء لم يقتصر على قلة من المصريين أو وسائل الإعلام.. فقد كان للجانب الجزائري نصيب ودور في إشعال الأزمة أيضا.

الاستعلاء بعيد عن الشخصية المصرية

الأمر بالنسبة للشعب السوري يختلف كثيرا.. يقول شاكر عياش هو طالب سوري مقيم باسطنبول: «من خلال تعاملي معهم النظرة الاستعلائية هي أبعد ما تكون عن المصريين، فهم متواضعون ويتعاملون معنا بمساواة كبيرة».

تفاخر المصريين بالماضي يبدو حقا في رأي عياش الذي زار مصر لمدة شهر. «المصري لا يجد فرصة حالية له بسبب الأنظمة الحاكمة؛ أما صورة المصريين عند الشعب السوري فهي صورة جميلة في الأساس، لكن مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت أصحاب الكلام البذئ بشكل واضح».

الضجة لا تثيرها إلا الأواني الفارغة

مصر


الانطباع الأساسي الذي يتكون لدى الطالب الإماراتي عبد الله عيسى الأنصاري، بعيد عن هذه النظرة الاستعلائية، فهم «شعب طيب ولديهم نية صافية وشعب محترم أيضا. ونفخر أن يكون المصريون جزءا من الأمة العربية».

«الضجة لا تثيرها إلا الأواني الفارغة».. مثل يستخدمه الأنصاري لوصف سلوك بعض المصريين الذين ينظرون نظرة استعلائية للعرب.. يقول الطالب الإماراتي: «لست ضد أي دولة عربية ولكني ضد التراشق بالألفاظ النابية على السوشيال ميديا، شيء يحدث من قلة قليلة جدا، بسبب قلة الوعي وقلة علم هذا الشخص بموضوع النقاش أو عدم وجود الحجة لديه ليرد بالدليل، فيبدأ بالشتائم أو يستخدمها كنوع من رد الإهانة».

في سجن المجتمع.. مطلقات يحكين أسرارهن بعد كلام الناس

الحصار الإعلامي المتعمد

الإعلام يبدو متهما رئيسيا في نظر الجميع؛ فالإعلام هو العامل الرئيسي للتأثير على الرأي العام.. هذا ما تؤكدة الدكتور بقسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام، سالي جاد.

الإعلام يستخدم في نظر «جاد» تكنيك الحصار، فأحيانا تحتاج إحدى القضايا لتجنيد جميع وسائل الإعلام في نفس الوقت..  يفتح المواطن الراديو يجد نفس الكلام.. يفتح التليفزيون يجد نفس الآراء.. يهرب منها للمواقع الإلكترونية أو السوشيال ميديا يجد نفس الشيء.. كل هذا لتوجيه المواطن للرأي الذي يريده الإعلام وحسب.

ورغم كل هذا الضجيج الذي تثيره وسائل الإعلام، فترى «جاد» أن المواطن المصري بعد الثورة أصبحت لديه قدرة عالية على تحليل ما يشاهده ويقرأه، فلا يأخذ كل ذلك كمسلمات.

روشته علاج

مصر

لا يوجد عندنا إعلام محايد.. هكذا تعترف الدكتورة سالي جاد. ولكي نتخلص من هذا الإعلام الموجه علينا الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي وتطبيقه تطبيقا فعالا، ووضع عقوبة رادعة لمن يخالفه.

فالإعلامي المهني في نظر «جاد» هو أشبه بعامل «الديلفري» فكل مهمته تتلخص في توصيل المعلومة كما هي، دون أن يوجهها لأي فكر يريده.

وبعيدا عن وسائل الإعلام فالمصري أنفسهم لا يحتاجون لتصحيح صورته أمام أحد، ولكن يحتاج للتركيز على تحسين أوضاعه، ومن هنا ستتحسن صورة الدولة كلها أمام الجميع.. كما ينصح الطالب الإماراتي، عبد الله الأنصاري.

في 6 روايات عن الديكتاتورية «رزق الملوك الخوف من غيره يندثروا»

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال