وهم «اللغة القبطية».. هذه حقيقة لغة «الإيمان القويم» عند المسيحيين
كتبت- ميرال عزت
يتوهم كثيرون أن ما يعرف بـ«اللغة القبطية»، لغة مسيحية. ويعتقد قطاع كبير من المسيحيين في مصر، بأن التحدث بهذه اللغة من باب «الإيمان القويم».. في هذا التقرير، نوضح حقيقة الأمر وهل حقا ترتبط اللغة القبطية بالوثنية أم لا؟
إذا بحثت على موقع «يوتيوب» عن اللغة القبطية ستفاجأ بأن هناك مقاطع فيديو لتعليم هذه اللغة. بل وستجد أن هناك قرية كاملة تتحدث بها، معتبرين أنها «تدل على أصالة الإنسان المصري»، وفق ما يقول نبيل اسطفانوص، خادم بكنيسة الأنبا بخيوم بقرية الزينية، في الأقصر
موالد الأقباط في مصر.. من العذراء لـ«سيدي العريان»
يقول الكاتب والمؤرخ الدكتور يوسف زيدان، في كتابه «متاهات الوهم» إنه «ليس هناك في واقع الأمر شيء اسمه اللغة القبطية، وإنما هي خرافات تكررت في السنوات الأخيرة على مسامع المساكين، حتى ظن هؤلاء أن هناك حقا ما يسمى باللغة القبطية».
الهيروغليفية والهيراطيقية
ويشير زيدان إلى أنه في بدايات مصر القديمة، كان الناس يستعملون لغتين الأولى في الكتابات المقدسة بالمعابد، وقد أسماها اليونانيون (اللغة الهيروغليفية) وهي لغة معقدة، عميقة. والأخرى مخففة بسيطة، استعملها الناس والكهنة (كهنة آمون) وسُميت باليونانية (الهيراطيقية). وقد تزامن استعمال اللغتين في مصر القديمة، فكانت الهيروغليفية هي اللغة الرسمية المقدسة، التي نُقشت على المسلات والجدران، والهيراطيقية، هي اللغة المستعملة في الحياة اليومية، وهي التي كانت تكتب على أوراق البردي.
حقيقة الأمر
يؤكد الدكتور يوسف زيدان أن «الهيروغليفية والهيراطيقية ليستا لغتين، وإنما هما طريقتان فى الكتابة». ولكن كثيرين ظنوا أنهما لغتان مختلفتان، وهذا غير صحيح، لأن اللغة فى حقيقة أمرها، هى (الأصوات) التى يستعملها الناس، وهناك فرق بين المنطوق (اللغة) والمدوَّن (الكتابة) فقد تتغير طريقة الكتابة، وتبقى اللغة على حالها. مثلما حدث فى تركيا بعد ثورة أتاتورك، حيث كان الأتراك يكتبون لغتهم بالحروف العربية، ثم صاروا يكتبونها بالحروف اللاتينية.. لكن (اللغة التركية) بقيت كما هى على الحالين.
ويوضح مؤلف «متاهات الوهم» أن فى القرن السابع قبل الميلاد، استعمل الناس فى مصر، طريقة أخرى فى الكتابة، هى التى صارت تسمى (الديموطيقية).. وفى القرن الثالث قبل الميلاد، تطورت هذه الطريقة وصارت تسمى اعتباطاً (القبطية) وهى تسمية لا دلالة لها، لأن (قبطية) تعنى مصرية! وهذه كلها خطوط مصرية (قبطية).
قبل المسيحية
ويشدد زيدان على أن ما يجب أن ننتبه إليه هنا هو أن هذه (اللغة) أو بالأحرى (طريقة الكتابة) ظهرت قبل ظهور المسيحية بثلاثة قرون من الزمان!
ويضيف: «لكن كثيرين منا اليوم، نحن المصريين، يعتقدون أن هذه (القبطية) هى لغة الكنيسة، ويقوم بعضهم بأمر مضحك، هو التكلم بها فى بيوتهم! ظناً بأنهم ما داموا مؤمنين الإيمان القويم فإن الواجب عليهم أن يتكلموا هذه اللغة المزعومة! وقد خدعهم بعض رجال الدين، وشجعوهم على هذا الفعل. وكتموا عنهم أنها (لغة) لا ارتباط لها بالدين، وهى فى حقيقة الأمر- وبحسب مصطلحاتهم- لغة وثنية بدأت قبل ابتداء (الديانة) بزمن طويل.. ولو أراد هؤلاء (المتدينون الجدد) أن يستعملوا لغة دينية مسيحية، فعليهم التكلم فيما بينهم باللغة الآرامية (السريانية القديمة) لأنها اللغة التى تحدث بها السيد المسيح».
السريانية
ويؤكد الكاتب والمؤرخ يوسف زيدان في كتابه «متاهات الوهم» أن الآرامية (السريانية) لغة، واليونانية لغة، والعربية لغة.. أما هذه القبطية المزعومة، فهى ليست لغة أصلاً. وإنما هى طريقة فى الكتابة، لجأ إليها المصريون (الوثنيون) بعد الاحتلال اليونانى لمصر، واستقرار الحكم البطلمى فيها، وهى كنظام كتابة (ملفق) يضم أربعة وعشرين حرفاً يونانياً، وسبعة أحرف مصرية قديمة.
واستعمل الناس هذه الطريقة فى الكتابة حتى مرت عدة قرون، ثم دخل المصريون كغيرهم من الشعوب المجاورة فى الديانة المسيحية، وفقد زيدان.
وفي هذا السياق، يقول أستاذ الأثار القبطية، لؤي محمود سعيد، مدير مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية، إن اللغة القبطية تعد آخر مرحلة من مراحل الكتابة الهيروغليفية في مصر، موضحا أن النطق واحد ولكن ما تغير هو شكل الكتابة، حيث أصبحت تكتب بحروف يونانية، وللتبسيط وضح «سعيد» بأن هذا مثل كتابة حروف اللغة العربية بالرقعة، أو النسخ، أو الخط الكوفي.
وأشار مدير مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية، في تصريحاته لـ«شبابيك» إلى أن «بردية هايدلبرج» وهي أقدم نص مكتوب باللغة القبطية والموجودة في متحف هايدلبرج بألمانيا، ترجع للقرن الثالث قبل ميلاد المسيح. كما أن هناك كتابات بالقبطية القديمة «Old Coptic» بها نصوص وثنية مرتبطة بالسحر، وغيرها من المواضيع.
الربط
وفى القرن الثالث الميلادى، بحسب ما يقول يوسف زيدان، ربط رجال الدين المسيحي في الإسكندرية بين الديانة وهذه الطريقة فى الكتابة.. وفى منتصف القرن الخامس الميلادى، غضب رجال الكنيسة فى مصر على كنيسة اليونان (الملكانيين = الروم الأرثوذكس) فقرروا أن يستعملوا فى الصلوات وكتابة الأدعية الدينية اللغة القبطية! فتأكد فى نفوس الناس الوهم القائل إن هذه المسماة (اللغة القبطية) هى لغة دينية.. ومع تكرار الوهم على الأسماع، ظن الناسُ أن الوهم حقيقة. ويشير زيدان إلى أن أوراق البردى لا تضم فى معظمها نصوصاً قبطية.
لماذا القدسية؟
يقول الدكتور لؤي محمود سعيد، إنه عند دخول المسيحية مصر، كان لا بد من التبشير بلغة أهل البلد. فبدأت ترجمة الكتاب المقدس، إلى اللغة التي تعرف الآن بـ«القبطية» فاكتسبت قدسية عند المسيحيين، لافتا إلى أن هذا يشبه علاقة القرآن باللغة العربية، التي كانت موجودة من قبله، وكتب بها نصوص وثنية أيضا.
وأشار الباحث في الأثار القبطية، إلى أن وفق دراسة للدكتور شنودة ماهر، قيسيس مصري يعيش في امريكا، حين دخلت المسيحية مصر، حدث تقبيط للغة العربية، فانتجت ما نعرفه بـ«العامية المصرية»، فأصبح جزء كبير من كلامنا قبطي.