الذاكرة الخارقة.. مرض أم قدرات فائقة؟
سيدة أمريكية تجاوزت الخمسين من عمرها تدعى «جيل برايس» تتمكن من تذكر أحداث الماضي بكل تفاصيلها، فكل ما جرى لها في مرحلة المراهقة محفور في ذاكرتها، ولم تنسَ منه شيئا، صغيرا أو كبيرا، فهي مصابة بمتلازمة الذاكرة الخارقة «Hyperthmesia»
فما هي الذاكرة الفائقة؟ وهل تصنف على أنها مرض أم قدرات خارقة؟ وهل هناك طرق طبية وعلمية تُمكنك من تذكر الماضي؟ هذا ما يوضحه «شبابيك» في التقرير التالي.
ما هى الذاكرة الخارقة؟
متلازمة الذاكرة الخارقة أو فرط الاستذكار هي حالة ذهنية غير عادية أو حالة عصبية فريدة من نوعها، حيث يحتفظ الشخص المصاب بها بعدد كبير من التجارب الحياتية التي حدثت في الماضي، ويتمكن من تذكر التفاصيل الدقيقة التي وقعت في الماضي والتي لا يمكن أن يتذكرها الشخص العادي.
أما عن أسباب هذه المتلازمة فهي لا تزال غير واضحة حتى الآن، لكن عن طريق فحص دماغ عدد من الأشخاص، لاحظ الباحثون وجود اختلاف في بعض أجزاء الدماغ بين مرضى الذاكرة الخارقة وأصحاب الذاكرة العادية. ومع ذلك لم يتم التأكد من ما إذا كانت هذه الاختلافات هي السبب وراء متلازمة الذاكرة الخارقة أم أنها ظهرت نتيجة اعتماد هؤلاء الأشخاص على أجزاء أكثر من الدماغ حتى يتذكروا ما مضى.
متلازمة ليما.. لماذا يتعاطف الجاني مع الضحية؟
مرض أم قدرات خارقة؟
25 شخصا فقط حول العالم، مصابون بمتلازمة الذاكرة الخارقة، وتعتبر «جيل برايس» هي الحالة الأولى التي تم اكتشافها، ومن بينهم أيضا المؤلفة والممثلة الأمريكية «ماريلو هينر».
يعتقد كثيرون أن التمكن من تذكر كل الأحداث التي وقعت في الماضي، منذ سنوات طويلة، بكل تفاصيلها يعتبر قدرات خارقة، إلا أنه من الناحية الطبية ليس كذلك، حيث يُصنف استشاري الطب النفسي والمخ والأعصاب الدكتور جمال فرويز الذاكرة الخارقة ضمن الأمراض العقلية، ويعتبرها عرضا من أعراض مرض الهوس، مؤكدا أنه ليس بالضرورة أن يُصاب بها كل مرضى الهوس.
لكن هناك ما يُسمى بالذاكرة البصرية أو «Photomind»، فهي تُصنف على أنها قدرات خارقة وليس مرضا كما هو الحال في «الهايبرثيميسيا»، فالأشخاص الذين يتمتعون بها يكون لديهم القدرة على تذكر جميع المعلومات بأدق تفاصيلها (الأرقام، الفواصل، أرقام الصفحات) بمجرد قراءتها مرة واحدة فقط، وكأن عقولهم استبدلت بكاميرا فيديو تلتقط كل شئ مكتوب لتخزنه بدقة في الذاكرة، هذا وفقا لاستشاري الطب النفسي.
الصفات
الأشخاص المصابون بمرض الهوس الذي يصاحبه متلازمة الذاكرة الخارقة، يتسمون بعدد من الصفات، هي:
- زيادة النشاط الذهني بدرجة كبيرة.
- زيادة نشاط المخ.
- كثيرو الكلام، فهم يتحدثون في أكثر من موضوع في الوقت نفسه (الخروج من الموضوع والدخول في آخر بسرعة).
- غالبا ما يفرطون في تناول القهوة والشاي.
- زيادة بعض الهرمونات والمواد مثل «السيروتونين»، «الدوبامين»، مادة «5HT»
الدراسات والأبحاث التي اُجريت على الأشخاص المصابين بمتلازمة الذاكرة الخارقة أو فرط الاستذكار وجدت أنهم مختلفين في أعمارهم، وأسلوب حياتهم، ومستوى الذكاء، ووفقا لموقع healthline، فعلى الرغم من ذلك فهم يشتركون في عدد من الصفات، هي:
- يقضون الكثير من الوقت في التفكير في الأمور التي حدثت لهم في الماضي.
- لديهم قدرة كبيرة على التركيز بعمق، وعزل أنفسهم عن المشتتات الموجودة بالبيئة المحيطة بهم.
- يمكن أن يفقدوا التركيز في الأمور التي تُجرى من حولهم، فهم يتمتعوا بخيال واسع ويعيشوا مع أحلام اليقظة.
- مهتمون بالتفاصيل لحد كبير جدا، ولدرجة يمكن أن تتحول إلى حالة من الوسواس القهري.
الشخصية القهرية.. مهتم بالتفاصيل إلى حد المرض
معاناة مرضى الذاكرة الخارقة
آلام الماضي تطاردهم، فهم لا يتمكنوا من نسيان المواقف المحزنة والحوادث المؤلمة التي تعرضوا لها في الماضي، فهم يتذكرونها بأدق التفاصيل، الأمر الذي يمثل لهم معاناة حقيقية.
هم يعانون من نفس المشاكل النفسية التي يتعرض لها الأشخاص المصابين بمرض اضطراب ما بعد الصدمة، حيث يوضح أخصائي الطب النفسي، الدكتور حاتم صبري، أن الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب يتمكنون من تذكر الحادث المؤلم الذي تعرضوا له بكافة تفاصيله، وبالتالي يشعرون يوميا بنفس المشاعر السلبية التي سيطرت عليهم عند التعرض لهذا الحادث، ويستمرون في تذكر أدق التفاصيل حتى بعد مرور سنوات على وقوعه، وكأنه وقع توا.
اضطراب ما بعد الصدمة يتحول إلى مرض مزمن يصاحبه أمراض نفسية أخرى، مثل الاكتئاب، لدرجة يمكن أن تدفع الشخص إلى الانتحار، وهي نفس الحالة التي يمكن أن يعاني منها مرضى متلازمة الذاكرة الخارقة، في حال تعرضهم لحوادث مؤلمة بالماضي، وفقا لما ذكره أخصائي الطب النفسي.
ولكن هل يمكنك تذكر الماضي؟
بعيدا عن الذاكرة الخارقة، هل يمكن لأي شخص أن يتذكر الأحداث التي وقعت له في الماضي أو قبل 15 عاما مثلا؟، وفقا لدكتور حاتم فإنه يمكن ذلك عن طريق التنويم المغناطيسي، فإذا تم بشكل صحيح وناجح فيمكن لأي شخص أن يتذكر الأحداث التي تعرض لها قبل 15 عاما مثلا.
أو عن طريق ما يُسمى بـ«التداعي الحر»، حيث يمكنك تذكر بعض الأحداث المؤثرة في حياتك بأدق التفاصيل، وتعتمد هذه الطريقة، وفقا لما أوضحه «صبري» على محاولة تركيز تفكيرك على هذا الحدث لمدة أسابيع أو شهور، بجانب العلاج الدوائي، حيث يمكن اللجوء إلى الحقن.