ماهر العطار.. تعرف على مطرب الشباب في الخمسينات
لكل فترة زمنية معطياتها الخاصة التي تحدد أبطالها ورموزها. وربما لا يعلم كثيرون أن مٌغنياً اسمه ماهر العطار حاز لقب مطرب الشباب في فترة الخمسينات والستينات لحلاوة صوته ووسامته الشديدة. حكاية «العطار» رواها زياد عساف في كتابه «المنسي في الغناء العربي».
موسيقار الأجيال
بالصدفة، وبينما كان موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب يستمع لبرنامج «ركن الهواة» في الإذاعة المصرية، لفت انتباهه صوت ذلك الشاب الذي لا يزال في مقتبل العمر. طلب من المسئولين عن البرنامج رقم تليفون منزله واتصل به.
في ذكرى ميلادهما.. تشابهت أقدار عبدالوهاب ودرويش
لم تقتنع والدته بأن الذي يكلمها هو محمد عبدالوهاب، وظنّت للوهلة الأولى أن شخصا يعاكسها فأغلقت التليفون في وجهه.
عاود الإتصال مرة ثانية مؤكداً لها أنه محمد عبدالوهاب، فنادت ابنها غير مصدقة للذي يحدث، وحدد معه موسيقار الأجيال موعداً لليوم التالي.
من هنا كانت الخطوة الأولى للمطرب الشاب ماهر العطار خاصة بعد أن طلب منه «عبدالوهاب» أن يغني. ارتبك في البداية فما كان من الموسيقار إلا أن أدار له ظهره حتى لا ينظر إلى وجهه خلال الغناء، فاستجمع قواه وغنى «فين طريقك فين» و«ظلموه»، وكأن هاتين الأغنيتين كانتا مؤشراً لطريق صعب سار به، وظلماً كبيراً عاشه بعد سنوات طويلة من العطاء، حتى وصل به الأمر إلى صعوبة تغطية مصاريف علاجه في فترة من الفترات.
مطرب الشباب
حاز ماهر العطار على لقب «مطرب الشباب» لما كان يتمتع به من حيوية وعفوية في الأداء. ولد «العطار» في حي باب الشعرية الذي أنجب كبار نجوم الفن والغناء، ونشأ بين أسرة متذوقة للموسيقى لم تعترض على مزاولته الفن.
التحق بكلية التجارة في جامعة عين شمس، وكان يدرس ليلاً في معهد الموسيقى العربية. بدأ من خلال برنامج «ركن الهواة» في الإذاعة المصرية، وكان من زملائه وقتها عادل مأمون، وعبداللطيف التلباني، ومحرم فؤاد.
وفي يوم بعد أن ضاق به الحال من تقديم أغاني غيره، توجه «العطار» إلى منزل محمد الموجي طالباً منه أغنية خاصة له.
أعجب «الموجي» بصوته ولحّن له أغنيته الشهيرة «بلغوه»، التي حققت نجاحاً كبيراً خلال حفل «أضواء المدينة». وتابع مسيرته الفنية بعد هذه الانطلاقة المتميزة وقدم أكثر من 500 أغنية جمعت بين اللون العاطفي، والشعبي، والوطني، والديني.
فرصة ضائعة
من خلال صوته الجميل والوسامة التي كا يتمتع بها تلقى «العطار» عروضاً للعمل في التمثيل السينمائي. ورشحه الموسيقار محمد عبدالوهاب للقيام بدور البطولة في فيلم «حسن ونعيمة» والذي كان من انتاجه أيضاً.
بعد أن قرأ «العطار» سيناريو الفيلم تراجع عن قبول العرض، لأن بطل الفيلم فلاح يتطلب منه الدور ارتداء الجلابية، وهو في الوقت نفسه لا يجيد اتقان اللهجة الفلاحية.
ورغم أنه كان سيشارك الفنانة سعاد حسني في بطولة الفيلم وهي فرصة عظيمة في ذلك الوقت، إلا أنه رشح صديقه المطرب محرم فؤاد بدلاً منه، كون ملامحه أقرب لهذا الدور. لعب محرم بطولة الفيلم وحقق شهرة كبيرة.
مشاركات سينمائية
شارك «العطار» في 7 أفلام إلا أنه لم يحقق النجاح المطلوب كممثل، فكانت هذه الأفلام من النوع التقليدي والتجاري وعن قصص مكررة، كحال فيلم «النغم الحزين» الذي يتحدث عن مطرب شاب في بداية الطريق، وتأتيه الفرصة ليصبح مطرباً مشهوراً وهذا ما ينطبق على بعض أفلام عبدالحليم حافظ، وفريد الأطرش، ومحرم فؤاد.
شارك «العطار» في أفلامه نجمات السينما الشهيرات في الخمسينيات والستينيات. وقف أمام زبيدة ثروت في فيلم «احترس من الحب»، ومها صبري في «حب وحرمان»، وتحية كاريوكا في «أنا وأمي»، وآمال ماهر في «بنات بحري»، ومريم فخرالدين في «لقاء الغرباء».
عاود الظهور في أوائل الستينيات مع الفنانة سعاد حسني في فيلم «5 – 3». مع أن هذا الفيلم يطرح موضوعاً مختلفاً عن أفلامه السابقة، ويتحدث عن إعادة الشباب لكبار السن من خلال دواء تم اكتشافه، إلا أنه لم يحقق النجاح المطلوب سوى أن «العطار» قدم في هذا الفيلم بعض الأغنيات التي أحبها الناس في تلك الفترة.
تراجع بسبب العندليب
من خلال مئات الأغاني التي قدمها «العطار» علقت في أذهان الناس مجموعة من الأغاني العاطفية والرومانسية أداها بإحساس ملفت، منها «قلبي سألته عليك» و«داب قلبي» و«بلغوه» و«الصبر طيب» و«يا محير في حبك قلبي» و«مكتوبالي».
غير أن مجموعة من الأسباب الرئيسية أدت إلى تراجع «العطار» في الأغنية العاطفية، منها أنه وقع في نفس المأزق الذي وقع فيه بعض المطربين من أبناء جيله الذين تم وضعهم في قالب ولون عبدالحليم حافظ.
فمع كل خلاف كان يحدث بين الملحنين و«حليم» كان هؤلاء الملحنون يلجأون للبحث عن صوت شبيه وبديل للعندليب، وهذا ما عانى منه المطرب كمال حسني، وعبداللطيف التلباني، ثم تكرر مع هاني شاكر في أوائل السبعينيات، وبعد أن تعود المياه لمجاريها بين «حليم» وهؤلاء الملحنين خاصة محمد الموجي يقع المطربون في مأزق كونهم لم يعودوا بنفس المستوى السابق.
حدث ذلك مع ماهر العطار حين تغنى بألحان الموجي وبليغ حمدي، ومن كلمات وأشعار أسماء مهمة على ساحة الغناء، مثل مرسي جميل عزيز وعبدالسلام أمين ومحمد حلاوة وحسين السيد وعبدالوهاب محمد ومجدي نجيب وعبدالرحيم منصور وفتحي قورة.
بقيت غُصة في قلب «العطار» تتمثل في إعادة أشهر أغنياته بصوت المطربتين فايزة أحمد ووردة. الأولى أعادت أغنية «قلبي سألته عليك»، والثانية أعادت «ظلمته مرة واحدة» ولا يعرف العديد من المستمعين أن المطرب الأصلي لهاتين الأغنيتين هو ماهر العطار.
في لقاء أجراه معه الإعلامي مفيد فوزي منذ سنوات، سأله عن سبب غيابه واعتزاله الوسط الفني، أجابه: «مفيش ملحنين زي زمان.. كل الملحنين الكبار ماتوا.. زهقت..».