حين توترت العلاقة بين عبد الناصر والسعودية بسبب «تلحين القرآن» في مصر
في سبتمبر 1958 كانت مصر والسعودية على أعقاب أزمة سياسية حادة على خلفية كثير من المعطيات السياسية آنذاك، لكن بدون مقدمات ظهر في الخلفية سبب آخر كان نذيراً بإشعال الأزمة أكثر يتعلق بخبر صغير نشرته إحدى الصحف المصرية عن «تلحين القرآن». فما هي القصة؟. الإجابة تأتي في كتاب «سنوات الغليان» لمحمد حسنين هيكل.
رسالة وتكذيب
كان العاهل السعودي الملك سعود قد بعث برسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر، فكتب الأخير على غلاف الرسالة لمدير مكتبه: «علي صبري، هل ترى الرد على هذه الرسالة أو إهمالها؟ الرد يكون: إن هذه المعلومات خاطئة، ويُرسل له البلاغ الرسمي المرفق، أو عدم الرد».
رد علي صبري على تأشيرة الرئيس قائلاً: «أرى أن أسلم السفير السعودي صورة من التكذيب الرسمي ليرفعه هو لسعود ولا داعي للرد».
فور أن تلقى الرئيس عبد الناصر رد مدير مكتبه، كتب تأشيرة جديدة بخط يده جاء فيها: «أوافق، وأرى أن تُسلم له الجريدة التي نشرت التكذيب».
كانت القصة محمل الأخذ والرد تتعلق بقضية «تلحين القرآن»، وتوحي طبيعة الردود بين الرئيس ومدير مكتبه، بأن عبد الناصر كان مندهشاً والدليل إشارته إلى علي صبري بإمكانية إهمال الرد على الرسالة، فماذا تقول الرسالة؟.
نص الرسالة
الرسالة تلقاها عبد الناصر في 21 سبتمبر 1958، وهي موجودة في أرشيف «منشية البكري» (منزل جمال عبد الناصر) وتم إرسال صورة منها إلى وزارة الخارجية، ووزارة الإرشاد القومي، وإدارة المخابرات العامة، وتقول نصاً: «من سعود بن عبدالعزيز آل سعود إلى حضرة الفخامة السيد جمال عبد الناصر.. راجعني كبار المشايخ والعلماء في البلاد بخصوص ما اطلعوا عليه جميعاً في الصحف المصرية من وجود فكرة لدى بعض الأوساط في مصر لتلحين القرآن العظيم على بعض الآلات الموسيقية وأنغامها، وأفادوني أنه حصل لهم تشويش واضطراب عظيم من ذلك خوفاً من أن تحدث هذه الخطوة ثغرة كبيرة في الدين».
وأضاف سعود في رسالته: «لقد دعاني هذا الحدث لما فيه من خطورة أن أراجع سيادة الأخ، وألفت نظره راجياً منه لما أعلم فيه من حصافة الرأي، وصدق العقيدة أن يعمل بنفوذه الكبير على منع هذا الأمر الذي لا يأتي منه إلا التفرقة والشقاق بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والذي نحن في غنى عنه».
وتابع: «إنى أعتقد بأنكم توافقونني بأن أعداء الإسلام والعروبة يجدون في هذا المجال مرتعاً خصباً لبث سمومهم القتالية، وهي فرصة ذهبية لا يجدونها في كل وقت، وبالأخص في الدور الذي نجتازه نحن العرب، ولذلك فإنني أرجو مخلصاً بأن نكون جميعاً ممن يحافظ ويدافع على قدسية كتاب الله، ويحرص على كرامته من أي عبث يراد به، وإني لمطمئن بانه سوف لا ينال احد منه شيئاً، وقد وعد وهو أصدق الواعدين، وقال في تنزيله الحكيم: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»، وفي انتظار ما يطمئن الخاطر في هذا الخصوص.. أخوكم سعود السعود».
حملات الهجوم
وبحسب هيكل جاءت الرسالة ضمن حملات الهجوم على مصر وجمال عبد الناصر بسبب الوحدة بين مصر وسوريا (فبراير 1958)، ويحدد هيكل الادعاءات التي شملها هذا الهجوم وهي: «الديكتاتورية الناصرية» التي لا تستهدف غير التمكين لسيطرتها، و«التسلط الفرعوني» الذي يمسك بأقدار سوريا تحت دعوى الوحدة العربية، والابتعاد عن الدين والاقتراب من الإلحاد بالتركيز على مشاكل الدنيا وإهمال العالم الأخروي.
ويمكن تصنيف رسالة سعود حسب موضوعها تحت ادعاء «الابتعاد عن الدين»، ووفقاً لهيكل، فإن العاهل السعودي كان يريد أن يتصيد شيئاً، فالجريدة التي نشرت خبر «تلحين القرآن» في أربعة سطور كذبته في اليوم التالي واعتذرت عنه، وتم ذلك بالتأكيد قبل أن يقوم المشايخ والعلماء بمراجعة الملك، وحسب هذه التفاصيل يمكن تفسير طبيعة التأشيرات التي كتبها عبد الناصر على الرسالة، وغلب عليها الدهشة.