رئيس التحرير أحمد متولي
 الكتابة على النقود أداة للدعاية السياسية بمصر منذ قرون.. رصد تاريخي

الكتابة على النقود أداة للدعاية السياسية بمصر منذ قرون.. رصد تاريخي

لم يقف دور العملات المعدنية، وأوراق البنكنوت على العامل الاقتصادي التي نشأت من أجله فقط، فمصر عرفت قبل عقود محاولات مختلفة لاستغلال العملات سياسيا، سواء لصالح أنظمة الحكم أو المعارضة.

حتى أنها في بعض الأحيان كانت إحدى وسائل الدعاية الدينية لبعض الفرق والمذاهب في التاريخ الإسلامي، كالخوارج والإباضية وغيرهما، وفي العصر الحديث غالبا ما تستخدم كوسيلة احتجاج معارضة حينما يشتد الحصار السياسي والإعلامي.

في كتابه «النقود الإسلامية وأهميتها في دراسة التاريخ والآثار والحضارة الإسلامية» يقول الدكتور عاطف منصور: «لعبت النقود دورا بارزا في التعبير عن مظاهر الحياة الاجتماعية في العصور الإسلامية المختلفة، حتى أنها كانت الجهاز الإعلامي الأول للحكومات الإسلامية على مر العصور».

بهذه العبارة أرخ الدكتور عاطف منصور للدور السياسي الذي لعبته العملات، والنقود بشكل عام حتى أنه لما قامت الدولة الإفشارية عام 1736 حينما خلع أآخر ملوك الدولة الصفوية ونصب نفسه ملكا على فارس، لجأ للعملات لتثبت شرعيته فسك عملات جديدة وكتب عليها «الخير فيما وقع» ومن قبله حاولت كل فرق الخوارج التي ظهرت في العصر الأموي سك عملات خاصة به وسجلت موقفها السياسي والديني عليها.

الفاطميون يفشلون في مصر

بعد سيطرة الجيش الفاطمي على مصر وقدوم المعز لدين الله للقاهرة كأول خليفة فاطمي يتولى الحكم من مصر، سكت العملات الذهبية عليها شعارات شيعية، مثل «علي ولي الله» كان ذلك في عهد الخليفة المنصور، و «علي أفضل الوصيين ووزير خير المرسلين»، وعلي نائب الفضول وزوج الزهراء البتول»، في عهد الخليفة المعز لدين الله، وفقا لما ذكره الدكتور رأفت النبراوي صاحب كتاب «النقود الإسلامية منذ بداية القرن السادس وحتى نهاية القرن التاسع الهجري».

لم ينجح الفاطميون في تحويل المصريين إلى المذهب الشيعي، لتكون هذه الفترة هي الوحيدة في عمر الدولة المصرية التي يكون فيها الحكام من مذهب مختلف عن الرعية، ولم تنجح الشعارات في جر المواطنين المصريين إلى المذهب الجديد.

سعد زغلول على العملات

لم يختلف الوضع كثيرا في العهد الحديث من حيث الوسيلة، لكن الأمر كان تأثيره أكبر إبان ثورة مارس 1919، والتي قادها سعد زغلول، فبعد نفيه إلى جزيرة سيشل بالمحيط الهندي ى في 23 ديسمبر 1921، منعت السلطات الإنجليزية ذكر اسم سعد زغلول في الصحف والمجلات أو حتى في الاجتماعات العامة.

في كتابه التنظيم السري لثورة 1919 يقول مصطفي أمين إنه في عام 1922، بينما كان سعد زغلول منفيا في جزيرة سيشل، وتحديدا بعد اعتقال قيادات الوفد، أصدرت السلطة البريطانية قرارا بعدم ذكر سعد زغلول في مصر لا في جريدة، ولا مجلة، ولا حتى منشور، فاجتمعت زوجات المعتقلين من قادة الثورة في بيت صفية زغلول.

وقتها جمعت السيدات عدد كبير جدا من العملات الورقية المصرية والأجنبية بشكل سري، وسجلن عليها عبارة «يحيا سعد».

وقتها اتفقت سيدات الوفد مع محمود فهمي باشا النقراشي، وأحمد ماهر باشا على تنفيذ خطة سماها مصطفى أمين، «سرايا السيدات».

أتت هذه الفكرة بنتائج واسعة على المستوى الشعبي وانتشرت في مصر وفق ما يقول مصطفي أمين، خصوصا بعدما اتصل الجهاز السري للثورة بعملائه العاملين في مصالح الضرائب بالقاهرة والأقاليم، لكتابة نفس العبارة ليفاجأ الإنجليز بالعبارة منتشرة فبكثافة.

معارضوا كامب ديفيد

لم يتوقف الأمر عند ثورة 1919، وإن كانت النتيجة كانت أكبر وقتها، لكن لجأت المجموعات السياسية المعارضة دوما إلى النقود لكي تروج لفكرتها حال محاصرتها من قبل الأجهزة الحكومية أو وقف صحفها، كما حدث في فترة السبعينيات إلا أن ذلك لم يلقي نجاحا كبير خصوصا بعدما جرت الموافقة على استفتاء عام 1979 والذي شرعن لإتمام معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، والسماح بالتعددية الحزبية.

مرسي بين الرفض والتأييد

بعد قيام ثورة 25 يناير ووصول الرئيس الأسبق محمد مرسي للحكم، وخروج حملة تمرد التي وزعت منشوراتها في جميع أنحاء مصر بهدف عزل مرسى عن الحكم وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، انتشرت أيضا عبارات الرفض لجماعة الإخوان المسلمين على النقود.

ورغم أن هذه الفترة لم تجد قوى المعارضة صعوبة في توصيل صوتها إلا أن ذلك كان أحد الأساليب التي اتبعتها، بكتابة عبارة «يسقط حكم المرشد» على البنكنوت، وعقب بيان 3 يوليو 2013 الذي عزل على إثره محمد مرسي لجأ المعتصمون في ميداني رابعة العدوية والنهضة للنقود لكتابة عبارات «مرسى رئيسي».

تيران وصنافير على العملات

تجددت حملات الكتابة على النقود، فلجأ كثير من المعارضين لتسجيل أراءهم على أوراق العملة، كان ذلك إبان اشتعال قضية تقسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، خلال عام 2016.

وقتها رفعت أحزاب وشخصيات معارضة قضايا ضد الحكومة والبرلمان لرفض الاتفاقية، وبالفعل حكمت محكمة القضاء الإداري بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، وهو ما دفع البعض لتسجيل عبارات «تيران وصنافير مصرية» على العملات الورقية.

عبدالغني دياب

عبدالغني دياب

صحفي مصري متخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية