طومان باي.. السلطان المملوكي الذي أحبه المصريون
11 شهراً قضاها طومان باي آخر سلاطين الدولة المملوكية في مصر على العرش، لكنها شهدت تغيرات تاريخية ألقت بتبعاتها على مصر فيما بعد، ويكفي أنه بنهاية عهد هذا السلطان بدأ عهد آخر بدخول مصر تحت لواء الدولة العثمانية.
من هو طومان باي.. وكيف جاء إلى مصر.. وكيف وصل إلى سدة الحكم؟.. الدكتور عبدالمنعم ماجد أجاب على تلك التساؤلات في كتابه «طومان باي. آخر سلاطين المماليك في مصر».
طومان باي.. نشأة مبهمة
على وجه التحديد، لا يُعرف المكان الذي نشأ فيه طومان باي، وإن كان يُعرف أن أصله من بلاد الشركس (بلاد القوقاز)، أو أنهم ليسوا من الترك الخُلص. وهو وإن كان من المماليك الجلبان، إلا أنه لا يُعرف على وجه التحديد ما إن كان قد أشترى في أسواق مصر أو في خارج مصر أو في أي سوق آخر.
وقيل أن الأمير قانصوة الغوري – وهو الذي تولى السلطنة قبله – كان قد اشتراه لقرابته له، إلا أنه من المؤكد أنه لم يكن ابناً له، على الرغم من أنه كان يُطلق عليه طومان باي بن قانصوة، إذ يقول نص تاريخي آخر إنه ابن أخيه.
ومع ذلك، فمن الممكن معرفة تاريخ ميلاده، إذ تتبعنا تواريخ متعددة في حياته، مثل تاريخ شنقه وهو في سن الأربع والأربعين في 15 سبتمبر 1517، فيكون إذن ميلاده في حوالي 1473.
المماليك الكتابية
على كلٍ، قدم الأمير قانصوة طومان باي وهو صغير السن إلى سلطان وقته الأشرف قايتباي، فصار من جملة مماليكه، فأمر هذا الأخير بأن يتربى في الطبق – وهي المدرسة الحربية – مع بقية المماليك الصغار الواردين إلى مصر، حيث عُرف مثلهم باسم المماليك الكتابية، لأنهم بالإضافة إلى تعلم وسائل الحرب والفروسية، كانوا يتعلمون الدين والأخلاق، والكتابة والحساب والسباحة.
وبعد أن تعلم وتثقف وتهذب في الطبق، اٌعتق مع أقرانه من المماليك، وإن كان الذي أعتقه ليس الأشرف قايتباي، وإنما الناصر محمد بن قايتباي، الذي تولى بعد أبيه لفترة قصيرة، قبل أن يتولاها السلطان الظاهر قانصوة الغوري في 1498، الذي كان قريبه أو اشتراه.
كان طومان باي وقتذاك متوسط الطول، ذهبي اللون، واسع الجبين، أسود العينين والحاجبين واللحية.
وعلى مدى عشرين سنة تولى طومان باي عدداً من الوظائف الكبيرة في القصر أو المملكة، اكتسب خلالها خبرة كبيرة ما جعله على علم بكل تفاصيل وظائف القصر وجهاز الدولة، ما دفع السلطان قنصوة الغوري لأن يسند له مناصب مهمة كبيرة.
طومان باي نائب الغيبة
قبل سفر قانصوة الغوري لمحاربة العثمانيين في الشام، أضاف السلطان لطومان باي منصب «نائب الغيبة الهام»، على أساس أن يقوم مقامه في غيبته عن البلاد، وهو يتكافأ مع منصب نائب السلطنة أو الكفيل الذي عُرف بـ«السلطان الصغير» أو «المختصر» أو «الثاني»، في أيام دولة المماليك البحرية.
تولي طومان باي لهذا المنصب جعله على رأس رجال القصر والدولة معاً، فأصبح له حق تعيين الأمراء في المناصب الكبرى، ومنح الإقطاعات، والنظر في المظالم وغير ذلك، وبعمنى آخر كأنه السلطان نفسه.
وخلال توليه لهذا المنصب الأخير أثبت أنه على مستوى المسئولية بحق، حيث حافظ على سلامة الجبهة الداخلية، حتى يتيح للسلطان وجيشه من المماليك، أن يتفرغوا للمهمة التي ذهبوا من أجلها.
فلم يُذكر أن العساكر المتخلفين في مصر أثاروا شغباً، مثلما كان يحدث غالباً في غيبة السلطان، وإنما ضبط أحوال البلاد ضبطاً جيداً، فلم تقع الأزمات في القاهرة، بل عمل على تقوية الروح المعنوية، فكان يسير في الشوارع في مواكب رسمية بالطبل والموسيقى، مما أثار الحماس والتفاؤل خصوصاً وأنه كان محبباً للرعية.
تولي السلطنة
بعد مقتل قانصوة الغوري في حربه مع العثمانيين في موقعة مرج دابق سنة 1516، عرض الأمراء المماليك الموجودون في مصر ومن الذين قدموا من الشام بعد الهزيمة السلطنة على طومان باي، على أساس أن محمداً ابن الغوري كان صغير السن، ولأن الغوري نفسه أوصى جميع أمرائه أنه إذا أصابه شيء أن يسلطوا عليهم طومان باي، فقالوا لطومان باي: «وما عندنا سلطان إلا أنت».
لكن طومان باي امتنع أول الأمر خوفاً من غدر المماليك وتعودهم على العصيان، إذ أن خيانتهم للسلاطين وانقلابهم عليهم كانت سمة من سمات الحكم المملوكي في مصر.
وبعد خمسين يوماً من التمنع، قبل طومان باي السلطنة تحت ضغط رجال الدين في مصر، وعلى رأسهم الشيخ أبو السعود الجراحي الذي كان من مشايخ الصوفية ممن كانت لهم مكانة كبيرة لدى سلاطين المماليك، وهكذا كان رجال الدين سبباً في تولي طومان باي السلطة.
لكن اختيار المصريين لطومان باي راجع أيضاً إلى ما كان يتحلى به من صفاته المحببة لهم، فهو على عكس السلاطين السابقين كان غير متكبر أو متجبر، وكان متديناً صالحاً، ولم يُظهر عنه في حياته شيء من الأفعال الردية، فلم يشرب الخمر ولا زنا، وإنما كان يقتصر على زوج واحدة هي هي ابنة أمير مملوكي مثله وإن ناصبه العداء بعد توليه السلطنة هو جان بردي الغزالي، بينما جميع السلاطين أو الأمراء كانت لهم غالباً أربع زوجات، فضلاً عن أنهم كانوا يشترون أعداداً كبيرة من الجواري، حتى أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون كانت له ألف ومائتا وصيفة، أي حظية.
كان طومان باي يمتلك أيضاً ناصية اللغة العربية، وكان شديد الولع بالآداب والعلوم، وله فيها خوض ونظر، ويقرض الشعر، ومغرم بقراءة التواريخ والسيّر، وكان هذا شيئاً نادراً لطبقة المماليك عموماً.
على كلٍ، أقيمت مبايعة طومان باي بالسلطنة في 11 أكتوبر 1516، بنفس الطقوس التي بويع بها السلاطين قبله، ولكن بشكل مختصر، بسبب ظروف الحرب ضد العثمانيين، بعدما أقسم الأمراء الذين معه أنهم لن يغدروا به، ولُقب بـ«الأشرف» وهو لقب الغوري من قبل، و«أبو النصر» الذي يبدو أنه استحدث تفاؤلاً بالنصر على العثمانيين، فكان يُقال له «الملك الأشرف أبو لنصر طومان باي».
استمر طومان باي على عرش مصر 11 شهراً حتى هُزم على يد العثمانيين، ثم شُنق في سبتمبر 1517 لتنتهي بذلك دولة سلاطين المماليك.