رئيس التحرير أحمد متولي
 معركة الريدانية بين طومان باي وسليم الأول.. الموقعة التي أذنت بدخول العثمانيين مصر

معركة الريدانية بين طومان باي وسليم الأول.. الموقعة التي أذنت بدخول العثمانيين مصر

تعد معركة الريدانية التي وقعت عام 1517 بين المماليك بقيادة السلطان طومان باي والعثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول نقطة فارقة في تاريخ مصر، إذ ترتب عليها انتهاء دولة المماليك ووقوع المحروسة تحت سيطرة الدولة العثمانية.. فماذا جرى في هذه المعركة؟.

تغيير الخطة

في البداية كان من رأي طومان باي أن يهاجم السلطان سليم الأول وسط الطريق، ولا يتركه حتى يأتي إلى القاهرة، على أساس أن صحراء شرقي مصر وقسوتها من الممكن أن تنهك جيشه، سيما أنه لم يأت عن طريق الساحل، مثلما حدث في غزوات سابقة.

ولكن تحت إلحاح أمراء المماليك، فإنه اضطر أن يطرح استراتيجية المعركة كما يريدها جانباً، وأُجبر على انتظار مجيء العثمانيين الذين لم يجد هؤلاء أي مقاومة في زحفهم على مصر، إلا من بعض العربان الذين كانوا يميلون بطبعهم إلى النهب والسلب، فكانوا يقطعون رؤوس العثمانيين ويرسلونها إلى القاهرة، لقبض الثمن.

ومع ذلك، فإن طومان باي أمر بحرق الشون التي تقع خارج القاهرة حتى لا تقع في أيدي العثمانيين.

الانتقال للريدانية

على كل حال، استعد طومان باي لمقابلة العثمانيين بجوار القاهرة في مكان اسمه الريدانية، يقع خارج أسوارها من ناحية باب النصر، ويمتد حتى جبل المقطم، وكان عبارة عن بعض البساتين والأسواق، إلا أن معظمه خرب في أواخر عهد المماليك، وأصبح أرضاً جرداء خالياً من السكان.

فكانت المدافع تُنقل من مسابكها إلى هذا المكان، وهي مغطاة بالجوخ، حيث وُضعت الكبار منها التي كان يجرها ثلاثون أو أربعون من الخيل فوق الجبل الأحمر، وهو جزء من جبل المقطم في هذا المكان، بينما صغار المدافع وكان يجرها أربعة من الخيل رُصت من الريدانية إلى الخانقاه إحدى زوايا الصوفية.

وأحيطت هذه الأخيرة وهي ثابتة على الأرض بالحوائط والخنادق لإخفائها عن العيون، حتى أن السلطان نفسه كان يحمل مع عمال البناء الحجارة على كتفه لهذا الغرض، ففعلت المماليك مثله.

كذلك أمر طومان باي أرباب البضائع أن يحولوا بضائعهم إلى المعسكر الذي هو في منطقة نائية من القاهرة، حتى تتوفر الأقوات فيه.

خيانة مملوكية

إلا أن المتاعب ما لبثت أن ظهرت من المماليك أنفسهم، على الرغم من أن طومان باي كان قد أصدر أمره للذين تجمعوا منهم في الريدانية، وكذلك من بقايا المنهزمين في غزة، أو المقيمين منهم في القاهرة، حتى تجمع منهم لديه أكثر ما تجمع للغوري من قبل، إلا أن أغلبهم رفضوا أن يناموا في المعسكر، فكانوا يرجعون إلى بيوتهم في المساء.

حتى الأسلحة النارية المصرية التي كان من المنتظر أن تلعب دوراً حاسماً في المعركة، لم تقم بأي دور، بسبب أن المدافع كانت قليلة، لم تتعد المائة، بينما العثمانيين زحفوا بستمائة مدفع، منها مائة وخمسون مدفعاً كبيراً، وبينما كانت هذه سهلة الحركة تتحرك على عربات في أي اتجاه، فإن المدفعية المصرية وُضعت على قواعد ثابتة وأصبحت غير قابلة للحركة.

ما زاد الطين بلة، أن المدافع المصرية طُمرت في الرمال عمداً زيادة في إخفائها وهي معمرة، حيث قيل أن الذي أمر بوضعها هكذا هو الأمير جان بري الغزالي حيث كان يوجد اتفاق باطني بينه وبين خاير بك الذي خان السلطان قنصوة الغوري في موقعة مرج دابق بالشام.

ويبدو أن طومان باي قد تنبه إلى خيانة الغزالي في آخر لحظة، فأراد قتله لولا أن الأمراء منعوه لوصول العثمانيين إلى الريدانية في 22 يناير 1517.

لذلك لما تدفقت العثمانية من تحت الجبل الأحمر بأعداد هائلة بلغت 200 ألف أو أكثرن بقصد الالتفاف حول المدافع المصرية بالتواجد من وراء فوهاتها، لم تجد هذه المدافع فرصة لمواجهة العثمانيين، فلم تنطلق إلا واحدة، مما أرعب العثمانيين الذين ما لبثوا أن أدركوا عجز مدافع المصريين ما جعلهم ينهبون بارودها.

خيمة سليم

حينئذ لم ينتظر طومان باي وقصد ومعه جنود المماليك معسكر السلطان سليم الذي أقيم في أول الريدانية، فوقعت موقعة مهولة، وقُتل عدد كبير من أمراء العثمانيين وعسكرها، ومعظم الموجودين في خيمة سليم نفسها بما فيهم سنان باشا خادم الصدر الأعظم، الذي بارزه طومان باي وقتله بيده بعد أن رفعه إلى أعلى رأسه، ثم ألقاه على الأرض بعنف، فطبق أضلاعه بين جنبيه، ثم حز رأسه، ربما ظناً منه أنه هو السلطان سليم نفسه، وإن كان سليم لم يكن موجوداً فيها وقتذاك.

وقد حزن سليم على وزيره الكبير حزناً كبيراً، واعتبر فقده خسارة كبرى، وفكر في الانتقام وقال: «استولينا على مصر، ولكننا فقدنا سنان باشا، خسارتنا فيه لا يمكن أن تعدلها دولة».

لذا اتجه الجنود العثمانيون فور هزيمة المماليك إلى انتهاك حرمة المساجد بدخول الخيل فيها، وطلعوا المآذن، وصاروا يرمون المماليك بالرصاص، وقتلوا منهم حوالي عشرة آلاف.

وبقي طومان باي في قليل من المماليك والرماة العبيد الذين دافعوا عنه ببنادقهم، فلما تكاثرت الجنود العثمانيين عليه، انسحب إلى منطقة طره، جنوب القاهرة.

المصدر

  • كتاب «طومان باي آخر سلاطين المماليك في مصر». الدكتور عبدالمنعم ماجد.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية