العنصرية ضد البيض.. الوجه المسكوت عنه لأفريقيا السوداء
العنصرية ترتبط في أذهان الجميع بالاضطهاد الذي مارسه الرجل الأوروبي الأبيض لقرون طويلة ضد المواطنين ذوي البشرة السوداء والأصول الأفريقية.
فدولة مثل جنوب أفريقيا اعتبرت مثالا لمناهضة هذه العنصرية على أرضها؛ فبقيادة زعيمها الأشهر نيلسون مانديلا استطاعت إنهاء عقود من العنصرية ضد السود، مارسه المستعمرون ضد السكان الأصليين للبلاد، لكن هذا هو جانب واحد من القصة فقط.
فما بين المانشتات العريضة التي تحتفي بإنهاء عقود من العنصرية تتصاعد قصص صغيرة تحت السطح يتداولها الإعلام على استحياء؛ حول عنصرية ضد السود لم تنتهِ بشكل كامل، وعنصرية من نوع جديد بدأت تطفو على السطح وهي عنصرية ضد المواطنين من ذوي البشرة البيضاء.
عنصرية ضد البيض
الحكاية بدأت تلفت الأنظار في بداية عام 2016 عندما أدعت منظمة «فريدريك وليام دي كليرك» بجمهورية جنوب أفريقيا أن المواطنين السود وهم السكان الأصليين أصبحوا الآن، أكثر ميلا للعنصرية في حق المواطنين البيض ذوي الأصول الأوروبية.
المنظمة تحمل اسم أخر رئيس أبيض لجنوب أفريقيا وهو فريدريك دي كليرك، الذي نال جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا عام 1993.
كان لـ«دي كليرك» العديد من الإصلاحات للحد من العنصرية ضد السود، أدت إنهاء نظام «أبارتايد» وهو نظام سياسي هدفه هو الحفاظ على هيمنة الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا على الاقتصاد والسلطة.
وطالبت هذه المنظمة لجان حقوق الإنسان في جنوب أفريقيا بالتدخل في قضية تصاعد الخطاب العنصري ضد المواطنين البيض.
السوشيال ميديا تبدو في نظر هذه المنظمة مسؤولة عن خطاب الكراهية الذي تصاعد في حق البيض.
وبعد تحليل لمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر»، وجدت المنظمة أن 45 منشورًا تحمل خطابا شديد الكراهية وبلغة شديدة العداوة والخطورة؛ وتشمل تهديدات بالقتل للمواطنين البيض وبقتل أطفالهم واغتصاب نسائهم، وطرد كل البيض من جنوب أفريقيا.
اليهود في مصر.. بين الثراء والتأميم ثم الانقراض
مواجهة العنصرية بالعنصرية
لكن هذه الموجة من الكراهية لم تأتِ من فراغ؛ فقد كانت نوعا من رد الفعل على منشور بـ«فيس بوك» لمواطنة تدعى بيني سبارو، وهي من ذوي البشرة البيضاء.
وصفت «سبارو» المواطنين السود بالـ«قرود» الذين يسببون الفوضى والإزعاج ويلقون القمامة على الشواطئ؛ مستنكرة السماح لهم بالاحتفال على الشواطئ العامة في ليلة رأس السنة.
وكاد تعليق هذه السيدة أن يصبح حادثا فرديا، لكنه تحول لـ«تريند» على تويتر؛ بعد أن أيدها في رأيها بعض رجال الاقتصاد والإعلاميين من ذوي البشرة البيضاء.
وكان هذا الشاطئ الذي تتحدث عنه «سبارو» مخصصا للبيض في أيام تطبيق سياسة الفصل العنصري.
وأحد هذه المنشورات التي كانت أقل حدة لكنها تحمل سخرية واضحة تقول: «إذا كان البيض يصفون السود بأنهم قرود؛ فالمفاجأة هي أنه عندما تحلق شعر القرد عن جسده سوف تكتشف أن بشرته بيضاء.. ألا تبدو سبارو شبيهة بهذا»؟!
أحد المغردين أعاد نشر مقولة لمواطن يدعى فيلافي كومالو وهو معروف بعداءه الشديد ضد البيض؛ والتي يقول فيها إنه «يود لو يخرج جميع ذوي البشرة البيضاء من المدينة ويقتلهم مثلما فعل هتلر باليهود».
لكن إن كانت العنصرية قد صدرت من البعض في خطاب شديد اللهجة، لكن كثيرون من ذوي البشرة السوداء تناولوا هذه الأزمة بشكل عقلاني كثيرا، ومن هذه التعليقات:
«نحن ذوي البشرة السوداء إذا أردنا أن نثبت أن بيني سبارو مخطئة في رؤيتها، فعلينا أن نعمل على تمكين السود أولا».
ونشر أحد المغردين صورته معلقا عليها: «أنا لست قردا.. وإلا سأكون قردا لطيفا للغاية.. يجب أن نتوقف عن خطاب العنصرية بهذا الشكل أو تعليمه لأطفالنا».
سياسة الفصل العنصري
قبل أن نفهم لماذا بدأ المواطنون السود في التعبير عن غضبهم من العنصرية بخطاب عنصري مماثل؛ فعلينا أن نرجع خطوات كثيرة للوراء، لنفهم ماذا فعلت العنصرية بالسكان الأصليين لجنوب أفريقيا.
لطالما ارتبط الاستعمار بالعنصرية. وجنوب أفريقيا خضعت لقرون طويلة من الاستعمار الهولندي ثم الهندي ثم البريطاني؛ حتى أصبحت أكثر دولة أفريقية متنوعة الأعراق.
وعندما جاء العام 1948 وفاز الحزب الوطني البويري - وهو حزب البيض - بالحكم طبق ما يعرف بسياسات الفصل العنصري أو الـ«أبارتايد».
وتحت هذه السياسة مورست كافة أشكال العنصرية والتمييز والاضطهاد للمواطنين الأصليين ذوي البشرة السوداء، وتم اعتبارهم جنسا أدنى مقابل الجنس الأوروبي الأرقى؛ فتم منع السود من العمل إلا في وظائف محددة وبالتالي تم منعهم من الترشح للانتخابات؛ ثم العزل الاجتماعي بين السود والبيض في المساكن وأماكن العمل والمدارس وحتى المستشفيات والشواطئ.
ورغم الاستنكار الدولي لقوانين «الأبارتايد» من الخارج وظهور النشطاء السود المعارضين لها من الخارج تساندهم مجموعة قليلة من المواطنين البيض المناهضين للعنصرية؛ ظلت هذه السياسات قائمة حتى عاد 1994 عندما تولى نيلسون مانديلا الحكم ليكون أول رئيس أسود للبلاد، بعد تاريخ طويل من النضال السياسي مكث خلاله 27 عاما في السجن واتهم فيه بالخيانة.
نظرة في سلوك المصريين تجاه العرب.. عداوة ينكرها الواقع
هل انتهت العنصرية؟
بعد تولي «مانديلا» كانت أمامه مهمة أصعب وهي احتواء الصرعات العرقية بين السود البيض بعد انهيار سياسات الفصل العنصري.
استطاع «مانديلا» بشخصيته التي احترمها الجميع أن يحتوي هذه الخلافات طوال فترة رئاسته التي امتدت حتى عام 2013.
ولكنه سمح للمواطنين السود بتولي المناصب القيادية والسياسية والترقي في الأعمال التي كانت ممنوعة عليهم، لكن في المقابل تصاعدت حركات عنصرية تسعى لسيطرة البيض مرة أخرى، منها حركة «المقاومة الأفريقية» التي اغتيل زعيمها تيري يوجين بلانش عام 2010 على يد عمال مزرعته السود بعد ضربه حتى الموت.
وهي حادثة تبدو في ظاهرها أن المواطنين السود لا يزاولن يحملون ضغينة كبيرة لمواطني جنوب أفريقيا من ذوي الأصول الأوروبية، فلماذا كل هذا؟
غضب مستمر تجاه البيض
في مقال نُشر بموقع «Mail&Gurdian» الأفريقي في فبراير 2015 للكاتبة فيراشني بيلاي بعنوان «6 أشياء يمتلكها ذوي البشرة البيضاء ولا يمتلكها ذوي البشرة السوداء»، تقول الكاتبة إن المواطنين البيض يعتقدون أن على السود تجاوز هذا التاريخ المليء بالتفرقة العنصرية، والتعامل كأن شيئا لم يكن بعد إلغاء سياسات الفصل العنصري.
وتضيف «لقد تم إلغاء نظام التفرقة العنصرية منذ 20 عاما نعم، لكن من قال أن هذا هو ما يحدث في الواقع؛ فأمريكا على سبيل المثال ظلت 50 عاما تحارب العنصرية رغم صدور كثير من القوانين التي تنتصر للسود».
وتعدد «بيلاي» مجموعة من الامتيازات التي يتمتع بها البيض دونا عن السود وهم المواطنين الأصليين للبلاد وهي:
- المواطنين البيض لديه ثرواتهم التي اكتسبوها من مزارعم التي يعمل السود بها أو أعمالهم التجارية، فيستطيعون توريث المال لأبنائهم، بينما على المواطنين السود أن يبدأوا من الصفر.
- رغم إلغاء الفصل العنصري في التعليم فنادرا ما تجد مواطنا أسودا قد تلقى تعليما جيدا بسبب الفقر وعدم وجود الإمكانيات المادية أو بسبب أن والديه لم يحصلا على قدر جيد من التعليم.
- التعرض للسخرية عند التواجد في التجمعات السكنية التي يسطر عليها البيض.
- اضطرار ذوي البشرة السوداء للعمل ساعات أكثر من زملائهم البيض لأن صاحب العمل لديه قناعة راسخة أنهم أكثر كسلا وعليهم أن يعملوا أكثر حتى يثبتوا له العكس.
- اضطرار المواطن الأسود للعمل في أكثر من وظيفة حتى يغطي تكاليف المعيشة.
تسلسل تاريخي.. حكايات التجنيد الإجباري من الفراعنة لمحمد علي
وجه آخر للحقيقة
هذه النظرة قد تكون صحيحة إذا تحدثنا عن الطبقة الأكثر ثراء من المواطنين البيض ذوي الأصول الأوروبية والذين لا يزالون يمتلكون الكثير من المال ورثوه عن آبائهم.
لكن على الجانب الآخر فالفقر قد تزايد بشدة في العقدين الآخرين بين المواطنين البيض، بعضهم لا يستطيع توفير مأوى خاص به، ويضطرون للعيش في مخيمات مخصصة للفقراء البيض تحديدا؛ حيث لا كهرباء أو مياه أوصرف صحي وحيث البيوت مبنية من ألواح الصفيح، والقليل جدا من الطعام.
يعيش في هذه المخيمات نحو 400 ألف مواطن أفريقي من أصول أوروبية، وفقا لموقع «DailyMail» والذين ترفض المستشفيات العناية الصحية بهم ويرفضهم أرباب العمل على السواء.
وبعد إلغاء الفصل العنصري حرص حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم على تمكين المواطنين السود من فرص العمل والمناصب القيادية وإشراكهم في حصة أكبر من الاقتصاد.
ومع الأزمة المالية العالمية فقد كثير من الأثرياء البيض ثرواتهم واضطروا للعيش في المخيمات، ووجد كثير منهم خصوصا غير المؤهلين لسوق العمل، صعوبة في الالتحاق بوظيفة ما.
يقول «هينريك» لـ«Daily Mail»: «أبلغ الآن 49 عاما وهو عمر كبير جدا لكي أجد عملا.. عندما يعرف أحدهم عمري الحقيقي يعتذر لي عن الوظيفة».
يعمل هؤلاء الذين كانوا في يوم م من علية القوم في وظائف متواضعة للغاية، مثل جمع الخردة وبيع الملابس المستعملة.
تقول «آري»، 56 عاما: «وحتى عندما نذهب إلى المستشفيات ويعرفون أننا من سكان المخيمات فإنهم يرفضون مساعدتنا».
حقيقة أم «كلام جرائد»
المتابع لوسائل الإعلام اللأجنبية أو السوشيال ميديا سيرى كما سبق أن جنوب أفريقيا دولة تضج بالعنصرية ضد البيض. لكن هل هذا هو الواقع فعلا، أم مجرد «كلام جرائد»؟ تحدث «شبابيك» مع بعض الشباب المصريين المقيمين في جنوب أفريقيا لمعرفة حقيقة الأمر.
القانون أنصف السود ولكن
يقول سامي قنديل، وهو مصري يعيش في العاصمة جوهانسبرج، إن «القانون الآن أنصف السود وأصبح البيض المسيطرون على البلاد قلة قليلة جدا».
ويضيف «قنديل»: السود الآن لا يريدون البيض في البلد ويرون أنهم «واكلين حقوقهم» رغم أن الحكومة جعلت الأولوية في أي تعيين للسود أولا.
وجود ممارسات عنصرية ضد البيض في جنوب أفريقيا شيء لا ينكره «قنديل» الذي يقول: «كانت المرة الأولى التي أرى فيها مواطنا أبيض "بيشحت" في إشارة المرور منذ خمس سنوات. ومن حين لآخر تتصاعد موجة الكراهية للأجانب وتدعو لطرد المغتربين. حتى إن زعيم حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية دعا لذبح البيض في مرة. وكلما حدثت مشكلة بين البيض والسود تذكروا على الفور أيام العنصرية وتعرض في وسائل الإعلام صور لأطفال بيض يركبون على ظهور الأطفال السود. السود لا يريدون أن ينسوا هذه الفترة والإعلام لا يساعدهم ذلك».
جميل وأسمر.. هؤلاء غنوا للأسمراني لكن الحقيقة عنصرية
البيض ما زالوا الأقوى
لكن هذا الرأي الذي يرى السود يحملون كثير من العداء تجاه البيض، يقابله رأي مختلف تماما يرى أن البيض هم أصحاب السيادة في البلاد حتى الآن. ويقول محمد حجاج إن «العنصرية لازالت موجودة في جنوب أفريقيا ولكن ضد السود وليس العكس. شاهدت بعيني السود يعملون كخادمين وعمال في مزارع البيض».
يوجد في جنوب أفريقيا وحدها 11 لغة محلية، يتحدث البيض بلغة الأفريكانز التي يتعلمها السود حتى يتواصلوا معهم؛ في حين أن البيض لا يهتمون إطلاقا بتعلم لغات السود، وهذا دليل آخر على العنصرية ضد السود كما يراها «حجاج» الذي يعيش في مدينة بريتوريا.
لا أحد يستطيع إقناع «حجاج» أن هناك تمييزا ضد البيض؛ فيقول: «من كل 10 مواطنين بيض قد تجد أربعة فقراء، لكن من بين كل 10 مواطنين سود يوجد ثمانية فقراء».
لم ير «حجاج» ما ينشر في الإعلام حول مخيمات البيض، ويقول إنه يراهم في قمة الترفيه. ورغم أن القانون يعطي الحقوق كاملة للأبيض والأسود على السواء لكن تظل السيادة للبيض الذين تربطهم مصالح اقتصادية وسياسية حتى الآن مع بريطانيا التي لا تزال تضع جنوب أفريقيا تحت حمايتها.
لو مشوفتهاش فاتك كتير.. أفلام أجنبية أنصفت النبي محمد
رد فعل
اختلفت الآراء حول العنصرية في جنوب أفريقيا لكن محمد سعد يراها عنصرية متبادلة، ويقول لـ«شبابيك»: «البيض كانوا دائما أصحاب السيادة في جنوب أفريقيا، والمستفيد الوحيد من خيراته، فهم يستخرجون الذهب الخام ويتاجرون فيه ويكسبون أضعاف ما كانوا سيكسبونه في بلادهم. ومهما ألغيت العنصرية ضد السود على الورق في موجودة في التعاملات، وكرد فعل نتجت عند السود عنصرية مضادة تجاه البيض، الذي كان دائما يتمنى أن يكون له نفس سلطة الأبيض وأمواله».
مواقف كثيرة شاهدها «سعد» كدليل على عنصرية السود تجاه البيض؛ أبرزها انتشار السرقة من جانب السود، الذين يرون أنهم لا يستطيعون أن يأخذوا شيئا من خيرات البلاد التي ولدوا فيها.
لماذا يلجأ السود للعنصرية؟
الحكاية غير متعلقة بجنوب أفريقيا فقط. ففي كل مكان شهد فيه ذوي البشرة السوداء اضطهادا وظلما لعقود أو ربما لقرون طويلة؛ عبر كثير منهم عن هذا الحجم الهائل من الغضب بسلوك عدائي مماثل.
العنصرية في أمريكا
أمريكا على سبيل المثال تبدو من أبرز الدول التي شهدت حوادث عنصرية من الجانبين في الفترة الأخيرة.
استطلاع رأي أجراه موقع «Rasmussen Reports» ونشره موقع «Daily Mail» البريطانيي قال إن كثيرا من المواطنين الأمريكين يرون أن العنصرية موجوة في جانب المواطنين السود بقدر أكبر من الذي توجد به لدى البيض واللاتينيين.
وفي الاستطلاع الذي أجراه الموقع من خلال الهاتف رأى 37% من المواطنين الأمريكين البالغين أن العنصرية موجودة أكثر لدى المواطنين السود.
ولم ير غير 15% فقط من الذين شاركوا في الاستطلاع أن المواطنين الأمريكين البيض هم الأكثر عنصرية.
ومن بين المواطنين ذوي البشرة السوداء فقد رأى 31% منهم أن الأمريكيين السود هم الأكثر عنصرية. بينما لم يرى إلا 24 % منهم أن البيض هم الأكثر عنصرية.
وفي هذا الفيديو ستجد تجربة اجتماعية قام بها مجموعة من الشباب الأمريكيين للكشف عن العنصرية التي يتعرض لها البيض من بعض المواطنين ذوي البشرة السمراء:
دعك من كل ما تسمعه.. ماذا تعرف عن الوجه الآخر لأمريكا؟
وفي فرنسا أيضا
فرنسا التي ترفع شعار العلمانية تشهد في الوقت نفسه حوادث عنصرية ضد المسلمين واليهود وذوي الأصول العربية؛ حتى قررت الحكومة الفرنسية عام 2015 تخصيص مبلغ 100 مليون يورو لمحاربة هذا الخطاب العنصري.
لكن الحكاية الأغرب من الخيال هي حوادث قليلة جدا لا تتجاوز العشرات ولا ترقى إلى كلمة «ظاهرة» توحي بوجود سلوك معادي ضد البيض. هذه الحوادث على قلتها اختارت شبكة «فرانس 24» تسليط الضوء عليها عام 2013.
ففي تقرير مصور يحكي قصة المواطن الفرنسي «جيرون» الذي واجه مضايقات كثيرة في الحي الشعبي الذي يعيش فيه لمدة 20 عاما والذي قال إنهم يلقبونه بالأبيض القذر والثري المتعفن، تصاعدت هذه المضايقات حتى اضطر «جيرون» ووالدته الرحيل عن هذا الحي.
حادثة أخرى في العام نفسه، اعتبرها موقع «RFI» أول قضية عنصرية ضد مواطن أبيض، تعرض فيها للهجوم في محطة قطار من مواطن آخر، وجه له كلمات مثل: «رجل فرنسي قذر».
وفي نيجيريا
دولة أفريقية أخرى تصفها الكاتبة كوزميك يوروبا في مقال لها بموقع «ِThis Is Africa» بأنها بلد مرحب بالأجانب وبذوي البشرة البيضاء.
لكن هذا لم يمنع بعض الحوادث القليلة التي توحي بأن بعض ذوي البشرة السوداء لم ينسوا أبدا هذه العصور الطويلة من العنصرية التي مورست ضدهم من ذوي البشرة البيضاء
ففي عام 2009 تم منع مجموعة من أعضاء الكومنولث من الركوب في رحلة بالقارب إلى جزيرة بوني النيجيرية.
تقول الكاتبة: «لقد كان جميع هؤلاء الرجال من ذوي البشرة البيضاء، ومعهم رجل واحد من ذوي البشرة المختلطة». وهو أمر تفسره على أنه عنصرية ضد البيض من المواطنين النيجيريين.
لكن «يوروبا» تعود لتؤكد أن هذا الموقف لا يعني عدم الترحيب بالأجانب أو بالبيض، لكنه قد يكون سلوكا صادرا من بعض ذوي البشرة السوداء الذين عاشوا فترة من حياتهم في إحدى الدول الاجنبية التي تضطهد السود.
الشتيمة بالأم جت منين.. حكاية الأنوثة في مصر من الفخر للإهانة
ماذا يقول العلم عن العنصرية؟
العنصرية تنشأ من الاعتزاز الشديد بالنفس الذي يتحول إلى رفض الآخر، هكذا تحلل أستاذة علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، الدكتورة سوسن الفايد.
وتضيف «الفايد»: «يرفض هذا الطرف المعتز بنفسه أن يشاركه الآخر الحقوق والخدمات، وينظر إليه كجنس أدنى للتأكيد على تميزه هو عن غيره».
وتتخذ أستاذة علم الاجتماع الولايات المتحدة كمثال، فالرجل الأبيض كان يعتز بأصوله الأوروبية وحضارته للدرجة التي اعتبر معها المواطن الأسود غير صاحب حق في البلد، فكان ينظر إليه كوافد وليس كمواطن أمريكي مثله، وتعامل معه على أنه مواطن درجة ثانية.
ومن أمريكا إلى جنوب أفريقيا التي سيطر عليها الاستعمار البريطاني لقرون طويلة. تفسر «الفايد» الاعتزاز باللون الأبيض هنا كصاحب سيادة الاستعمار الذي يرى لنفسه الحق في كل شيء، ويضطهد المواطنين الأصليين حتى لو كانوا من نفس الأصل أو لون البشرة.
الثقافة والتنشئة تلعب دورا إضافيا في تغذية هذه العنصرية التي تترسخ في وجدان وعقل الشعوب.
عقدة التاريخ
تغيرت الموازين في جنوب أفريقيا الآن وتولى ذوي البشرة السوداء مناصب قيادية وسيادية.
وإن صح وجود نظرة عدائية من السود تجاه البيض، فهذه المتغيرات السياسية والاجتماعية تلعب دورا كبيرا في تغذيتها؛ فالسود بهذه النظرة العنصرية يحصنون أنفسهم ضد «عقد الماضي».
فالرؤية التاريخية دائما ما تشكل قناعات الشعوب الحالية، والعنصرية الطويلة التي عاشها السود تحت سيطرة الاستعمار قد تكون دافعا لبعضهم لتكوين نظرة عدائية تجاه البيض.