حرب أكتوبر.. 3 خدع كنا نظنها حقائق
عبرت أسراب طائرات «الميج» فوق ألوية المشاة والمدرعات المتراصة على الضفة الغربية للقناة، يرفع أفراد القوات البرية أسلحتهم الرشاشة أعلى رؤوسهم مرددين: «الله أكبر.. الله أكبر».
سرعان ما يحمل جند المشاة تلك الزوارق المطاطية ويحولون لون المياه الأزرق إلى رملي بلون زيهم العسكري، تنهال قذائف المحتل فتصيب من أصابت وتمزق من مزقت، ها هم على الضفة الشرقية وبدأوا بالفعل في تسلق الساتر الترابي، صعد ذاك الشاب فوقه ممزقًا العلم الإسرائيلي ويستبدله بالمصري قبل أن يتلقى رصاصة في صدره ليسقط متكئًا على الساري، وينتقل المشهد إلى داخل تلك الطائرة التي عُرفت بطائرة قائد الضربة الجوية «حسني مبارك».
هذا ما رأيناه وظننا أنه المشاهد الحقيقة لعملية العبور، أما الحقيقة فذاك لا يتعدى كونه بضعة مشاهد تليفزيونية تم تصويرها بعد الحرب، فلم يتم تصوير التكبيرات أو العبور ولم يكن «مبارك» قائدًا لأي من أسراب الطائرات أو حتى مشاركًا فيها.
الحرب لم تُصوّر
تصوير الحرب لم يبدأ فعليًّا سوى يوم 13 أكتوبر، كما روى «سعيد شيمي» مصور الحرب آنذاك، إذ قال: «انتقلت فجر يوم 13 أكتوبر ومعي المخرج داوود عبد السيد إلى الإسماعيلية لنبدأ في تصوير أحداث حرب أكتوبر، بعد أن قدمت وزارة الثقافة طلبًا للقوات المسلحة لمن أجل الحصول على تصريح بالسفر والتصوير، وتم توزيعنا أنا وعبد السيد على الجيش الثاني الميدانى من الإسماعيلية حتى منطقة الشجرة بسيناء، والمصور محمود عبد السميع والمخرج حسام علي، على الجيش الثالث الميداني في السويس، وكان يرافقنا مندوب عسكري لتوجهينا للطرق الآمنة».
ويقول الفريق سعد الدين الشاذلي في مذكراته إن «التحضير مسبقًا لتصوير العبور يعني إذاعة أسرار الخطة للمخرج وطاقم التصوير في الوقت الذي حجبنا فيه هذه المعلومات عن كثير من القادة، والصور التي نُشرت في الصحافة الوطنية والصحافة العالمية، التي كانت تمثل دباباتنا وهي تعبر فوق الكباري والمعديات وجنودنا المشاة وهم يركبون القوارب التي يرفرف عليها العلم المصري في أثناء العبور، كلها صور مزيفة لم يتم تصويرها في أثناء المعركة أنها صور قام الإعلام المصري بالتقاطها بعد المعركة لأغراض الدعاية وقام بتمثيلها جنود كومبارس وأخذت لهم تلك الصور بعيدًا عن قصف المدافع ولعلعة الرشاشات، وأؤكد أنه لم يدخل مصور وأحد إلى منطقة القتال إلا بعد ظهر يوم 8 أكتوبر أي بعد بدء القتال بأكثر من 48 ساعة».
حرب أكتوبر.. صراع الطلاب مع السادات يهزم إسرائيل
الضربة الجوية
بداية الحرب لم تكن ذاك المشهد بإقلاع الطائرات التي تنهي عملها بنتيجة تقترب من 90%. لقد أدرك «السادات» وقت وضع الخطة أنه لن يحقق نصرًا فى ظل ضعف إمكانيات القوات الجوية ونقص عتادها مقارنة بتسليح العدو، فأصدر يوم 24 أبريل 1972 قرارًا بتولي اللواء محمود شاكر منصب قائد ثاني القوات الجوية، وقد أدار بنفسه معركة المنصورة الجوية في 14 أكتوبر 1973، اليوم الذي اختير عيدًا للقوات الجوية بسببها. أيضًا هناك تزييف للصورة البانورامية لحرب أكتوبر التي تجمع قادتها كافة، فالصورة توضح تواجد مبارك بجوار السادات مع اختفاء سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان القوات المسلحة، في كل الصور الملتقطة بغرفة عمليات حرب أكتوبر.
والمعروف أن مبارك وقتها لم يكن حينها سوى قائدًا للقوات الجوية، والمتعارف عسكريًّا أن من له الحق بملازمة الرئيس هو وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش وقائد عملياته على الترتيب، يليهم قادة الأفرع. قالت نجلة الفريق الشاذلي «لديّ صورة للسادات في غرفة العمليات الحربية وبجانبه والدي باعتباره الرجل الثالث، وقد تم محو صورته ووضع مبارك صورته بدلًا منه».
لا ينكر أحد دور القوات الجوية في حرب أكتوبر، لكنها لم تكن هي الحرب ولا الحرب هي.
إسرائيل القريبة البعيدة
تداولت معلومات كثيرة على أن مصر وصلت إلى 50 كيلو مترًا بعيدا عن حدود تل أبيب. الحقيقة أن مصر لم تتوغل سوى 20 كم فقط شرق قناة السويس، واستطاعت نقل العديد من قواتها وتركيزها في سيناء، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة يوم 10 أكتوبر وتقيم الجسر الجوي «نيكل جراس» لمساعدة إسرائيل، واعتبر نقطة تحول جذرية في الحرب.
بعدها بدأ السادات مشاوراته مع الجبهة السورية وقال لهم: «مستعد أن أذهب بالحرب مع إسرائيل إلى النهاية، لكني لست على استعداد لمواجهة أمريكا»، وقد جاء ذلك بعد تأخر وصول الإمدادات الروسية لمصر. استعادت إسرائيل توازنها بالدعم الأمريكي، وكان قرار مجلس الأمن 338 بوقف إطلاق النار فرصة لالتقاط الأنفاس، وافق الطرفان وخرقته إسرائيل بعدها وكانت ثغرة الدفرسوار التي تصدت لها مصر.
النهاية كانت يوم 28 أكتوبر بعد اكتشاف الطرفان أن أي معارك أخرى هي خسارة فادحة، فتم توقيع قرار مجلس الأمن رقم 339 بوقف إطلاق النار رسميًّا عند الكيلو 101، دخلت مصر بعمق 20 كم داخل سيناء وتراجعت إسرائيل، إلا أنها احتفظت ببعض الأراضي المصرية التي تم استردادها في مباحثات السلام بعد ذلك ولا حقيقة عن وصول الجيش المصري لحدود تل أبيب.