المونولوجست الساخر أحمد غانم الذي انتقد المجتمع بـ«قفشاته» الضاحكة
لطالما كان الناس يتجمعون حول إحدى المحطات الإذاعية أو حول الشاشة الصغيرة كلما حان موعد عرض مونولوجات أحمد غانم الساخرة، والتي تنتقد المجتمع وتحمل في طياتها قفشات ضاحكة تحكمها العفوية والبراءة. زياد عساف تناول أهم المحطات الحياتية للمونولوجست الراحل في الجزء الثاني من كتابه «المنسي في الغناء العربي»
منولوجست الجامعة
«إيه آخر نكتة؟».. عبارة ظل يسمعها أحمد غانم من الناس على مضض، لأن مجرد طرح هذا السؤال يوحي بأن كل ما قدمه على مدار السنين من مونولوجات اجتماعية ساخرة ذهب أدراج النسيان، ولم يعلق بالذاكرة سوى «النُكات» التي كان يطلقها بين الفقرات حسب ما هو متبع عند تقديم هذا اللون على المسارح آنذاك.
وإذا كان تحديد قيمة وأهمية أي فنان تعتمد على معايير كثيرة أهمها إثبات حضوره في ظل وجود مبدعين بنفس المجال الذي خطه لنفسه، فإن هذا ما ينطبق على «غانم» الذي حقق النجاح والشهرة بفن المونولوج بفترة وجود أساتذة هذا الفن أمثال إسماعيل ياسين ومحمود شكوكو وعمرو الجيزاوي وثريا حلمي، ثم أحمد الحداد وسيد الملاح بعد ذلك.
وأحمد غانم من مواليد 1931. بعد إتمامه الدراسة الثانوية التحق بكلية التجارة، ومن خلال النشاطات الفنية والحفلات السنوية التي تقيمها الجامعة اعتاد أن يشارك بتقديم مونولوجات فكاهية حتى أُطلق عليه «منولوجست الجامعة».
أثناء فترة الدراسة التقاه الفنان محمود ذو الفقار صدفة وتنبأ بموهبته وأسند إليه دور ابن الباشا بفيلم «قمر 14» عام 1950 وهو في سن التاسعة عشرة، وشارك بالفيلم نجوم كبار أمثال كاميليا وحليم الرومي ومن إخراج نيازي مصطفى.
قضايا اجتماعية
تحدد مسار «غانم» بفن المونولوج عام 1952 عندما قدم أول مونولوج له أمام جمهور عام وعرف حلاوة النجاح، ما شجعه لأن يسلك هذا المنحى بعد ذلك. ولم تنحصر مشاركاته بالغناء في مصر فقط، فقدم حفلات كثيرة في سوريا ولبنان والعراق والجزائر والمغرب وتونس.
أول مونولوج قدمه غانم «ياللي كلامكو فرانكو آراب»، وبنفس الأسلوب أعاد ومع التعديل بالكلمات أغنية محمد عبد الوهاب أغنية «لأ مش أنا اللي أبكي»، وأغنية «سواح» لعبدالحليم حافظ الذي كان يشركه بحفلاته التي أقامها خارج مصر.
كما أعاد مونولج «اتفضل قهوة» الخاص بالفنان عمر الجيزاوي، ولكن باللغة اليونانية مع الاحتفاظ باللحن الأصلي أيضاً، وبنفس الأسلوب غنى أيضاً «نسينا العربي خلاص».
من القضايا التي تطرق لها في أعماله الزواج من أجنبية في مونولوج «الشرق شرق.. والغرب غرب»، وعن الغش في البيع «اصحى وصحيّ ضميرك»، ولظاهرة الإكثار من الإنجاب «يا للي غلبتي الأرنبة»، وعن القناعة «على قد سريرك ولحافك»، والتعليم في سن متأخرة وغلاء المهور «بعد ما شاب.. ودوه الكتّاب».
وعن السيدات التي تجري خلف الموضة غنى «من عهد حوا وعهدنا.. والموضة عايشة في دمنا»، وعندما سمع عن نية تشكيل فريق كرة قدم للنساء غنى مستهجناً «الستات والكورة»، ولقليل الحظ غنى «سبعين صنعة».
وفي بداية السبعينيات قدم مونولوج «مستحيل» بمناسبة ذكر ثورة يوليو، ومنولوجات أخرى ناقدة منها «نجوم الظهر»، و«ليه لماذا؟»، و«لولا ضميري سبق تفكيري»، و«اللهم ارزقني»، و«جوه الأتوبيس»، و«المتسيب والحرامية»، ومع لبلبة دويتو «ليه بس يا روحي».
مشاركات سينمائية لأحمد غانم
شارك أحمد غانم في كثير من الأفلام السينمائية منها «خالي شغل» عام 1955، و«الرجل الثاني» عام 1959، و«اغفر لي خطيئتي» عام 1962، و«6 بنات وعريس» عام 1965، و«قصر الشوق» 1966، و«إضراب الشحاتين» 1967، و«السكرية» 1973، و«بمبة كشر» 1975، و«القضية المشهورة» 1978.
وكان المخرج أشرف فهمي يتفاءل بالفنان أحمد غانم في أفلامه فأسند له أدواراً بمجموعة من الأفلام منها «الأقوياء» 1980، و«الخادمة» 1984، و«الراقصة والطبال» 1984، و«سعد اليتيم» 1985، و«ليل وخونة» 1990.
وكحال معظم الفنانين الفكهايين وبقدر ما أسعدوا جمهورهم كانت نهايتهم حزينة. أحمد غانم واحد من هؤلاء الذين غلبتهم أحزانهم بعد أن أهملهم الوسط الفني ولم يعد يتم التعاقد معه بأعمال فنية، فعاش على إثرها حالة من الاكتئاب اضطرته للهجرة ليعيش مع أبنائه في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية وتوفى ودُفن هناك عام 1992، وهو الذي ظل يراوده الحلم بأن يصل الفنان المصري للعالمية مردداً بينه وبين نفسه في الغربة الأغنية التي تغنى بها ذات حلم «الفن مالهوش وطن.. خالد ويا الزمن.. والأرتيست المصريين.. ما يلفوش العالم يعني؟!.. ويكونوا عالميين!.. لما يسافروا هيحصل إيه».